ونبّه سيد أهل البيت الناس مع من فيهم الذين يدعون أنهم شيعته بأن الفاروق ليس كواحد من الناس، بل إنه قطب، وعليه يدور رحى الإسلام والعرب المسلمين، فلولا القطب ليس للرحى بأن تدور، وأنى لها ذلك؟ ولذلك يلح عليه بقوله: فإنك إن شخصت من هذه الأرض انتفضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها: لأنهم يعرفون أن الفاروق هو الأصل، وإن استؤصل لا يبقى للفرع أثر، وإنه هو القطب، وإن كسر تنكسر الرحى ولا تدور، وأيضا إنك أنت الحامي حمى القوم، وحافظ عوراتهم، فلا نتركك بأن تبرح عنا وتدخل نفسك في غمار الموت، لأننا لا نستغني عنك، ونستغني بك قوماً آخرين.
فما أحسن ما عبّر بهم علي بن أبي طالب ما يختلج في صدره، ويكنه في ضميره، ويعتقد به في معتقداته تجاه الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ورضيا عنه.
هذا وكان علي رضي الله عنه يعتقد أن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه، وكان يرى بأنه محدث بأخبار الرسول، ولذلك لم يكن يخالف سيرته وعمله حتى وفي الأمور الصغيرة والتافهة، وقد نقل الدينوري الشيعي أنه لما قدم الكوفة "قيل له: يا أمير المؤمنين! أتنزل القصر؟ قال: لا حاجة لي في نزوله، لأن عمر بن الخطاب كان يبغضه، ولكني نازل الرحبة، ثم أقبل حتى دخل المسجد الأعظم فصلى ركعتين، ثم نزل الرحبة" (الأخبار الطوال) لأحمد بن داود الدينوري (ص١٥٢).
وكذلك لما تكلم في رد فدك أبي أن يعمل خلاف ما فعله عمر، فهذا هو السيد مرتضى يقول: فلما وصل الأمر إلى علي بن أبي طالب كلم في رد فدك، فقال: إني لأستحي من الله أن أردّ شيئاً منع منه أبو بكر، وأمضاه عمر" كتاب (الشافي في الإمامة) (ص٢١٣) أيضاً (شرح نهج البلاغة) لابن أبي الحديد).
وننقل هنا روايات ثلاثة تأييداً لهاتين الروايتين نقلناها من كتب القوم.
الأولى من حسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما أنه قال: لا أعلم علياً خالف عمر، ولا غيّر شيئاً مما صنع حين قدم الكوفة" (رياض النضرة) لمحب الطبري (٢/ ٨٥).
والرواية الثانية "أن أهل نجران جاءوا إلى علي يشتكون ما فعل بهم عمر، فقال في جوابهم: إن عمر كان رشيد الأمر، فلا أغير شيئاً صنعه عمر" (البيهقي) (١٠/ ١٣٠) (الكامل) لابن أثير (٢/ ٢٠١) ط مصر، (التاريخ الكبير) للإمام البخاري (٤/ ١٤٥) ط الهند، كتاب (الخراج) لابن آدم (ص٢٣) ط مصر، "كتاب (الأموال) (ص٩٨) (فتوح البلدان) (ص٧٤).
والرواية الثالثة أن علياً قال حين قدم الكوفة: ما كنت لأحل عقدة شدها عمر" كتاب (الخراج) لابن آدم (ص٢٣) أيضاً (فتوح البلدان) للبلاذري (ص٧٤) ط مصر).
وما كان كل هذا إلا لأنه يراه رجلاً ملهماً حسب إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم، ورجلاً مسدداً يدور معه الحق أينما دار.
وأما كون عمر رجلاً من أهل الجنة كما ورد في ذلك حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رويناه، فلقد شهد بذلك علي بن أبي طالب وابن عمه وأحد قواده من المعتمدين وأمرائه الموثوقين عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين.