للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما أذيع في خلافة علي من الشبهات: الطعن في الشيخين أبي بكر وعمر، والزعم أن عليا أفضل منهما، فيرد علي رضي الله عنه هذه الشبهة ويبين الحق هو وأئمة آل البيت، وينشرون فضائل الصديق والفاروق، ويعلنون ولاءهم لهم، ويجيبون من يسألهم، وقد قام علي رضي الله عنه مرارا يخطب في الناس ويقول: "إن أفضل الأمة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر".ويحدث محمد بن الحنفية (١) فيقول: "قلت لأبي: أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أبو بكر. قلت ثم من؟ قال: ثم عمر. وخشيت أن يقول عثمان، قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين" (٢).ويبادر علي رضي الله عنه ويسأل أصحابه يوما ويقول: "أخبروني من أشجع الناس؟ قالوا: أنت. قال: أما إني ما بارزت أحدا إلا انتصفت منه، ولكن أخبروني بأشجع الناس. قالوا: لا نعلم، فمن؟ قال: أبو بكر (٣).ويأتي نفر من أهل العراق إلى الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ويقولون له: "يا أبا محمد حديث بلغنا أنك تحدثه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في أبي بكر وعمر رحمهما الله؟ فقال: نعم. حدثني أبي عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فقال: ((يا علي؛ هذان سيدا كهول أهل الجنة بعد النبيين والمرسلين)) (٤).يقول الإمام الآجري رحمه الله تعالى: "فهؤلاء أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم السادة الكرام رضوان الله عليهم يروون عن علي رضي الله عنه مثل هذه الفضيلة في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. جزى الله الكريم أهل البيت عن جميع المسلمين خيرا (٥).ويؤكد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولاءه وحبه للصحابة جميعا حتى من اختلف معهم بل وتقاتل، فهو يعلم أن هذا لا يقطع أواصر الأخوة الإيمانية، إذ بعد قتاله في الجمل مع طلحة والزبير رضي الله عنهم أجمعين – والقتال مظنة البغض ولكنها نفوس زكاها الله – يقول: "إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير ممن قال الله عز وجل: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ [الحجر:٤٧] (٦) ويكرر علي رضي الله عنه القول على ابن طلحة لما جاءه ويقول: "إني لأرجو أن أكون أنا وأبوك ممن قال الله عز وجل: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ [الحجر:٤٧]، فيقول له رجل: "دين الله أضيق من حد السيف، تقتلهم ويقتلونك، وتكون أنت وهم إخوانا على سرر متقابلين؟! فقال له علي: التراب في فيك فمن عسى أن يكونوا" (٧).فالضيق في دين الشيعة التي لم تسع قلوبهم لحب الصحابة كلهم رضي الله عنهم. أما قلوب المؤمنين فقد وسعت حبهم، وجرت ألسنتهم بالترضي عنهم والدعاء لهم كما أمرهم ربهم في قوله: وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [الحشر: ١٠] (٨).وصدق أنس بن مالك رضي الله عنه حينما قال: "قالوا إن حب عثمان وعلي لا يجتمعان في قلب مؤمن، وكذبوا، قد جمع الله عز وجل حبهما بحمد الله في قلوبنا" (٩).

المصدر:موقف الصحابة من الفرقة والفرق لأسماء السويلم - ص٥٢٤ - ٥٢٩


(١) محمد ابن الحنفية هو ابن علي بن أبي طالب والحنفية أمه.
(٢) رواه البخاري (٣٦٧١)
(٣) رواه البزار (٧٦١) وقال لا نعلمه يروى عن علي إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد، وقال الهيثمي في ((المجمع)) (٩/ ٤٧) فيه من لم أعرفه وانظر ((الصواعق المحرقة)) (١/ ٧٦).
(٤) كتاب ((الشريعة)) (٥/ ٢٣١٦) والحديث أخرجه الترمذي (٣٦٦٥) وابن ماجة (١٠٠) وابن حبان (٦٩٠٤) قال الترمذي حسن غريب، وصححه الألباني.
(٥) كتاب ((الشريعة)) (٥/ ٢٣١٧).
(٦) ((الطبقات الكبرى)) لابن سعد (٣/ ١١٣) ((تفسير الطبري)) (١٤/ ٣٦) انظر كتاب ((الشريعة)) (٥/ ٢٥٢٨).
(٧) انظر ((الشريعة)) للآجري (٥/ ٢٥٢٧) ((الطبقات الكبرى)) لابن سعد (٣/ ٢٢٤).
(٨) انظر ما تقدم من وجوب الإمساك عما شجر بين الصحابة، في ((التمهيد)) المبحث الثالث (٣٩) وانظر الباب الأول، الفصل الرابع، المبحث الثاني: ((سلامة الصحابة من الفرقة)) (ص٢٣٠).
(٩) انظر ((الشريعة)) (٤/ ١٧٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>