وأعود الآن إلى البحث في ولاية الفقيه من الناحية النظرية والعملية معاً فأساس النظرية لدى فقهاء الشيعة يرتكز على الآية الكريمة يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ [النساء:٥٩] ويقول علماء الشيعة: إن المقصود من أولي الأمر في الآية الكريمة إنما هو الخليفة أو الإمام الشرعي الذي هو الإمام " علي " ومن بعده أولاده حتى الإمام " المهدي " وفي غيبة الإمام " المهدي " تكون الولاية للفقهاء المجتهدين الذين يحلون محل الإمام وهم النواب العامون، وخطأ هذا التفسير أوضح من وضوح الشمس, فقبل كل شيء تصطدم نظرية ولاية الفقيه بنص صريحٍ جاء في القرآن الكريم وضح صلاحية الفقهاء بعبارة واضحة وصريحة، ومن دواعي الأسف والحزن أن كل أولئك الذين أسهبوا في بطلان نظرية الفقيه لم يذكروا هذه النقطة الجوهرية التي تدحض فكرة ولاية الفقيه من أساسها وتنسفها نسفاً أبدياً حتى قيام الساعة، فالآية الكريمة التي تفند ولاية الفقيه وتنص على مقدار صلاحيته هي: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [التوبة:١٢٢] فالآية صريحة أن واجب الفقيه هو التبليغ والإرشاد في شؤون الدين وليست في الآية إشارة إلى وجوب إطاعة الفقيه أو ولايته، فليت شعري كيف خفيت هذه الآية الكريمة على العلماء والباحثين ونحن معاشر الشيعة كسائر المسلمين نجمع إجماعاً عاماً على أنه لا اجتهاد أمام النص، إذن فكرة ولاية الفقيه تتعارض مع نص الكتاب ومن يعارض النص الإلهي يعتبر خارجاً عن الإسلام ولنعد إلى الآية الكريمة مرةً أخرى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ [النساء:٥٩] إن من يقرأ هذه الآية الكريمة من غير أن يقطع أجزاءها حسب رغبته يعلم علم اليقين أن إطاعة أولي الأمر تختلف عن إطاعة الله ورسوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وأنها إطاعة محددة وفي نطاق صلاحيات أنيطت بالوالي حسب طبيعة عمله حتى أن الحكم في التنازعات بين المسلمين سلب عنه كما تنص الآية، ثم إن الآية واضحة وصريحة أنها نزلت في الذين عينهم الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في عهده كولاة ينوبون عنه في شؤون المسلمين فالآية نزلت في عهد الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وهي تخص عهده والإشارة إليه إشارة شخصية لا عمومية، ولكن حتى إذا أخذنا بعموم الآية وأنها تشمل أولي الأمر بعد عصر الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم) فإنها واضحة في عدم وجوب إطاعة أوامرهم في التنازعات التي تحدث بين المسلمين, الأمر الذي يقلل من شأن أولي الأمر ويفقدهم صلاحية الولاية العامّة أو الولاية المطلقة.
وليت شعري أن أعرف كيف استدل المستدلون بهذه الآية على ولاية الفقيه وإعطائه حق التحكم في شؤون المسلمين السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية؟ فإذا كان لا يحق لأولي الأمر التدخل في تنازعات المسلمين كما نص عليه الكتاب حتى لا يتخذ اسم الله ورسوله ذريعة لكي يحكم المجتمع الإسلامي حسب أهوائه وعقائده بدون الأخذ بالشورى فهل يمكن القول أن نائب أولي الأمر يتمتع بحقوق أكثر من المنوب عنه؟