وفي إيران وهي مهد ولاية الفقيه في التاريخ المعاصر الذي عبرنا عنه بعصر الصراع الثالث بين الشيعة والتشيع استطاعت ولاية الفقيه أن تحتل الصدارة في الدستور الإيراني الجديد وتحتل أهم المواقع الأساسية منه كما استطاعت أن تسيطر على السلطة المطلقة في البلاد، ولكن مع كل هذا لم يستطع حماة الدستور والذين وضعوه والذين دافعوا عنه من حل التناقضات الصارخة بين التطبيقات العملية وبين النظرية الفقهية, ولذلك أصبحت النظرية في نظر المجتمع الشيعي نظرية مهلهلة ضعيفة وركيكة مع القوة المادية الهائلة التي تساندها, ولعل من أولى هذه المفارقات والتناقضات الصارخة والتي تتساءل الشيعة عنها في كل مكان هي: هل أن ولاية الفقيه منصب ديني أم منصب سياسي؟ فإذا كانت منصباً دينياً لا يخضع للانتخاب ولا يخضع للعزل ولا يخضع للتفريق, فكل من بلغ مرتبة الفقاهة اتصف بصفة الولاية وشملته الحصانة ويجب على المسلمين إطاعة أوامره والرضوخ لولايته، ولكن حدث أن فقهاء نُكبوا وأُهينوا وسُجنوا وشُرِّدوا ولا زال بعضهم قيد الأٍسر والسجن بسبب مواقفهم الفكرية أو السياسية من سلطان الفقيه الحاكم، أما إذا كانت ولاية الفقيه منصباً سياسياً فلماذا ربط بالدين وبالمذهب وظهر في مظهر العقيدة ووجوب الإطاعة لصاحبه؟ ثم كيف يمكن من الناحية العملية أن يتصور المرء ولاية الفقيه عندما يتضارب الفقهاء بينهم في الآراء وكلهم في مدينة واحدة؟ فلمن يا ترى يجب على المسلمين أن يستجيبوا ويطيعوا وكيف يجمعوا بين آراء متضاربة أو متناقضة؟ حقاً إن إسناد قانون كهذا إلى الإسلام إهانة إلى ذلك الدين القيّم الذي أرسله الله ليرفع من القيم الإنسانية، ونظرية ولاية الفقيه تجاوزت إيران وتسربت إلى مناطق شيعية أخرى وبدأت تعصف بالشيعة هناك كما عصفت بها في إيران, وإني أخشى أن يعم البلاء على الشيعة في كل مكان ويهزهم هزاً لا استقرار بعده، فلو علمت الشيعة بالفجائع التي ارتكبت باسم ولاية الفقيه ولا زالت ترتكب لاقتلعت ظل الفقهاء من كل ديار يحلون فيها ولفرت منهم فرار الشاة من الذئب، فأثناء كتابة هذه السطور هناك في إيران القطر الشيعي رد فعل عنيف بالنسبة للمذهب وما رافقه من سلطة الفقهاء والمرجعية المذهبية وذلك بعد أن عانى الشعب الإيراني من ولاية الفقيه ما عاناه، إنه عناء يهدد المجتمع الشيعي في إيران بالخروج من الإسلام أفواجاً أفواجاً، ولذلك إنني أدعو الله مخلصاً أن تصل رسالتي الإصلاحية إلى يد الشيعة في إيران وذلك قبل فوات الأوان وليعلموا أن طريق الخلاص ليس الهدم والإنكار فقط, بل البدء بالبناء والإصلاح، ولكي لا يتصور القارئ الكريم أنني أقصد شخصاً خاصاً من الفقهاء الذين أمسكوا زمام السلطة باسم ولاية الفقيه بل أود القول: إن الفكرة الشمولية تعمّ الجميع ولا نقصد فرداً خاصاً، فنحن عندما نمعن النظر بدقة وتفحص في الأحداث التي تجري على الساحة الإسلامية والشيعية نرى أن ولاية الفقيه تلعب دوراً بارزاً في أحداث تتناقض مع مبادئ الإسلام الصريحة، وإن الأكثرية من الفقهاء لم يقفوا موقفاً مناهضاً منها فالأكثرية بين مؤيد أو محايد, اللهم إلا القليل منهم والذين لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد الواحدة.