وأما الرأي الثاني الذي أشرنا إليه فهو في (ص٢٢٢) من الكتاب المذكور وجاء فيه: (إن وجود مصحف لأمير المؤمنين عليه السلام يغاير القرآن الموجود في ترتيب السور مما لا ينبغي الشك فيه وتسالم العلماء والأعلام على وجوده أغنانا عن التكلف لإثباته كما أن اشتمال قرآنه عليه السلام على زيادات ليست في القرآن الموجود وإن كان صحيحاً إلا أنه لا دلالة في ذلك على أن هذه الزيادات كانت من القرآن وقد أسقطت منه بالتحريف بل الصحيح أن تلك الزيادات كانت تفسيراً بعنوان (التأويل وما يؤول إليه الكلام أو بعنوان التنزيل من الله شرحاً للمراد) وبهذه العبارات يريد فقيهنا إثبات مصحف للإمام " علي " يختلف عن القرآن, ولكنه في الوقت نفسه يضيف جملة محيرة وهي:(أو بعنوان التنزيل من الله شرحاً للمراد) ولست أدري ما هذا الإصرار على تسمية شرح للقرآن وتفسير له بالمصحف ثم ما هو هذا الإجماع الذي يدّعيه بقوله: تسالم العلماء والأعلام على وجوده أغنانا عن التكلف لإثباته, ومتى أجمعت العلماء على ذلك اللهم إلا نفر قليل استندوا على كلام ينسب إلى الإمام علي ذكره الطبرسي في الاحتجاج، والمحقق المتتبع لكلمات الإمام وسيرته يشك كل الشك في صدور كلام مثل ذلك عن الإمام لما فيه من غرابة المحتوى، ثم ماذا تعني تلك الجملة المحيرة, هل أن القرآن له شرح إلهي صادر من الله ولكنه ليس جزءاً من القرآن فيكون القرآن المنزل من الله مؤلفاً من متن وشرح متنه في يد الجميع وشرحه عند الإمام علي فقط، وإذا لم تخونني الذاكرة فقد ناقشت موضوع هذا المصحف مع العلامة الكبير الخوئي ولم يأت بشيء أكثر من الاستشهاد على رواية الطبرسي وانتهى الحوار إلى جدل عنيف وحاد أرجو من الله أن يغفر لي إذا ما تجاوزت على حرمة أستاذ درست عليه الفقه وأصول الفقه بعض الوقت وذلك في أيام دراستي عندما كنت في النجف، إن فقهاءنا وعلماءنا يستدلون على وجود مصحف للإمام " علي " برواية يذكرها الطبرسي في كتاب (الاحتجاج) وهي أن الإمام قال:" يا طلحة إن كل آية أنزلها الله تعالى على محمد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عندي بإملاء رسول الله وخط يدي وتأويل كل آية أنزلها الله تعالى على محمد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وكل حلال أو حرام أو حكم تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة فهو عندي مكتوب بإملاء رسول الله وخط يدي حتى أرش الخدش (١) ... ) وكما قلنا في هذه الرواية ضعف واضح وغرابة مذهلة ومنها تتفرع أسئلة عديدة لا عد لها ولا حصر وقبل كل شيء لماذا خص الرسول الكريم صلى الله تعالى عليه وآله وسلم الإمام علياً بتعليم أحكام تحتاج إليها أمته إلى يوم القيامة ولكن لم يخبر بها أمته بل أخفاها عليهم والقرآن الكريم يقول: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [سبأ:٢٨] ويقول في موضع آخر: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:٣].
ولماذا لم يتحدث الإمام علي عن تلك الأحكام في خلافة الخلفاء الذين سبقوه أو في زمن خلافته؟ ولماذا أخفى أحكاماً تحتاج إليها الأمة إلى يوم القيامة وفيها حلاله وحرامه وحتى أرش الخدش؟ حقاً إنه اضطراب مخل بالتعقل نقرؤه في عقول الذين وضعوا روايات كهذه ونسبوها إلى الإمام علي وأدهى منه أن فقهاءنا - سامحهم الله - استندوا عليها وحكموا عليها حكم المسلّمات.