للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هناك إجماع من المسلمين والمشتغلين بالعلوم الإسلامية من غير المسلمين على أن الكتاب السماوي الوحيد الذي سلم من التحريف والتبديل والزيادة والحذف هو القرآن الكريم، ونحن المسلمين نلتزم بهذا الاعتقاد، ونقتنع به اقتناع عقل وعقيدة، فالله سبحانه قد أخذ على نفسه عهداً بالمحافظة عليه في قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:٩]. غير أن المتابع لفكر جمهرة علماء الشيعة يرى غير ذلك، ويقرأ شيئاً عجباً في كتبهم، والذين لم يقولوا بتحريفه من هؤلاء قالوا بإمكان حدوث ذلك. إن آية الله الخميني في سياق الحديث عن حكمة عدم النص في القرآن الكريم على أن الإمامة وظيفة إلهية, وفي مسيرة حملته على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في فقرة سبق أن أوردناها: "لو كانت مسألة الإمامة قد تم تثبيتها في القرآن، فإن أولئك الذين لا يعنون بالإسلام والقرآن إلا لأغراض الدنيا والرئاسة، كانوا سيتخذون من القرآن وسيلة لتنفيذ أغراضهم المشبوهة، ويحذفون تلك الآيات من صفحاته، ويسقطون القرآن من أنظار العالمين إلى الأبد" (١).

وفي موضع آخر من كتاب (كشف الأسرار) في أمر يتصل أيضاً بالإمامة، يصوغ آية الله الخميني فكرته في أسلوب يوحي إيحاءً مباشراً بأن القرآن من صنع محمد، وما دام الأمر كذلك ومحمد بشر، فإنه من الممكن أن يتعرض القرآن للتحريف. يقول آية الله الخميني ما نصه: "إن النبي أحجم عن التطرق إلى الإمامة في القرآن، لخشية أن يصاب القرآن من بعده بالتحريف، أو تشتد الخلافات بين المسلمين فيؤثر ذلك على الإسلام" (٢).

إن آية الله الخميني يقول بترجيح تحريف القرآن بسبب النص على أن الإمامة وظيفة إلهية كالنبوة، ويوحي في موقع آخر بأن القرآن من صنع النبي، وهما بادرتان لهما خطرهما؛ لأنهما صادرتان من أكبر مرجع ديني شيعي في هذين العقدين من الزمان، ويبقى أن نتساءل بعد ذلك: هل لما قاله آية الله الخميني جذور في أصول المذهب؟ إن الدراسة والمتابعة تشيران إلى الإجابة بالإيجاب، ذلك أن الكليني يذكر في كتابه (الكافي)، وقد سلف أن ذكرنا أن هذا الكتاب عند الشيعة بمنزلة البخاري عند أهل السنة؛ أن جابراً الجعفي قال: "سمعت أبا جعفر عليه السلام - يعني الإمام الباقر - يقول: ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله كما أنزل إلا كذاب، وما جمعه وحفظه كما أنزل إلا علي بن أبي طالب، والصحابة من بعده" (٣).

ومن الأخبار المعتمدة عن جابر الجعفي هذا أنه كان كذاباً، وحين تحدث الإمام أبو حنيفة النعمان - وهو الإمام الأعظم، وأحد تلاميذ الإمام جعفر، وصاحب الحوار المشهور في شأن القياس مع الإمام محمد الباقر - حين تحدث عن الصدق والكذب عند الرواة قال: ما رأيت فيمن رأيت أفضل من عطاء، ولا أكذب من جابر الجعفي.


(١) ((كشف الأسرار)) (ص١٣٠).
(٢) ((كشف الأسرار)) (ص:١٤٩).
(٣) ((الكافي)) (ص٢٢٨)، طبعة سنة (١٣٨١هـ).

<<  <  ج: ص:  >  >>