للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا تكفير بل توثيق على أعلى المستويات: قلنا: إن المنكرين من الإمامية لهذه العقيدة يتظاهرون بتكفير من اعتقد بتحريف القرآن. ولكننا لم نر أحداً منهم كفّر عالماً واحداً من علمائهم الذين يصرحون بالاعتقاد بتحريف القرآن تصريحاً واضحاً لا شبهة فيه، حتى الذين ينسبون ذلك إلى المذهب ويقولون: إنه من ضرورياته، وإن إجماع الطائفة حاصل عليه (١).وهذا يدل على أن الجميع يعتقدون هذه العقيدة أو أنهم - على الأقل - لا يستوحشون منها، ولا يرون كفر معتنقها، وأنهم غير جادين في القول بإنكارها. حتى النوري الطبرسي وأمثاله ممن أفردوا لإثباتها مصنفات مستقلة يوثقونه توثيقاً ما بعده توثيق! بل يكابرون مكابرة عجيبة في الدفاع عنه إلى حد أن بعضهم يدعي أن كتابه (فصل الخطاب) إنما ألفه في الرد على من قال بتحريف الكتاب (٢)!

أصول الدين عند الإمامية بين التعطيل والتبديل:

قلنا في أكثر من مناسبة: إن الاختلاف الطائفي هو اختلاف أصولي وليس فروعياً. وذلك بأن تخرج طائفة بأصل جديد تلزم به المسلمين، أو تنكر أصلاً ثابتاً من أصول الدين.

والإمامية أضافوا للدين أصولاً كثيرة: اعتقادية وعملية: كالإمامة والعصمة والتقية وخمس المكاسب. وأنكروا أصولاً أخرى ثابتة كأصل حفظ القرآن الذي هو أصل الأصول في الإسلام.

ويثبتون في الوقت نفسه أصول الدين الأخرى المتفق عليها كالتوحيد والنبوة والمعاد، والصلاة والحج والزكاة. لكن الملاحظ أنهم حين يثبتون هذه الأصول إنما يثبتونها قولاً وشكلاً، ثم يقومون بتفسيرها تفسيراً ينتج عنه تبديل هذه الأصول حقيقةً ومضموناً. فكأنهم عطلوا هذه الأصول ولكن بطريقة أخرى تختلف قليلاً عن طريقتهم في تعطيل الأصول التي صرحوا بتعطيلها - مثل حفظ القرآن -.

مبدأ (الإمام المعصوم) وعلاقته بتعطيل الدين وتبديله:

فالتوحيد الذي يقوم على قاعدة التفريق بين الخالق والمخلوق في الحقائق والحقوق، أثبتوه لفظاً ورسماً، وعطلوه - عن طريق الإتيان بفكرة (الإمام المعصوم) - حقيقة ومعنىً. ذلك أن العصمة اللاهوتية التي تجعل من الإنسان مخلوقاً منزهاً عن الخطأ والنسيان، وممتنعاً عن الذنب والعصيان، يعلم الغيب، ويتصرف بالكون: فهو الذي خلص نوحاً من الغرق وإبراهيم من الحرق ... إلخ. هذه العصمة أزالت الفرق المذكور فانهدمت قاعدة التوحيد، ولم يعد هنالك من فارق ذي معنى بين الخالق والمخلوق. وهذا هو الذي جعل المخلوق عندهم يدعى كما يدعى الخالق: تنزل ببابه الحوائج، ويتقرب عنده بالذبائح. يضاهئون بقبره الكعبة: يتوجهون نحوه في صلاتهم، ويحجون إليه يطوفون به ويعرِّفون عنده ويلبّون هناك ويسعون كما يسعى بين الصفا والمروة! ويفتخرون بأن زوار الحسين أكثر عدداً من زوار بيت الله الحرام!! حتى الشكل المكعب للقبر مأخوذ من شكل الكعبة المشرفة!!

فماذا بقي من التوحيد؟!

وأما النبوة القائمة على أساس التفريق بين النبي والولي فقد بدّلوها ثم عطّلوها بأن خلطوا بين المقامين بالفكرة نفسها (الإمام المعصوم)، ذلك أن طاعة الإمام المعصوم تغني عن طاعة النبي وتُذهِب أي أثر للحاجة إليه، لقد أزاحت هذه الفكرة شخصية النبي وأحلت محلها شخصية الإمام أو الولي؛ لأن الإمام يؤدي وظائف النبي جميعاً، بل إن الإمام يتميز عن النبي بكونه حياً حاضراً، بينما النبي ميت غائب.


(١) قارن ذلك مثلاً بالنكير الذي وصل إلى حد التفسيق بل التكفير! والضجة الهائلة التي أثاروها بوجه محمد حسين فضل الله على قضية في منتهى التفاهة هي إنكاره الأسطورة القائلة بأن عمر بن الخطاب قد كسر ضلع فاطمة! وتأمل كم من كتاب ألفوه للرد عليه وإخراجه من الملة!!
(٢) انظر ((فصل الخطاب)) التعليق رقم (١) ص (٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>