بل إن أحكام الشريعة الإسلامية جاءت محدودة بحدود لا يمكن أن يتعداها أحد، وأقيمت على قواعد لا يجوز تحويل قاعدة منها ولا إضافة قاعدة إليها، ولنضرب على ذلك مثلا: فالأذان، جاءت صيغته بعبارات محدودة معينة، كبقية الأعمال والأحكام في العبادة، فما زيد أو نقص منه كان بدعة وتشريعاً في الدين.
فالتشريع لا يجوز لغير النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم لا يأتي بتشريع إلا بوحي من رب العالمين كما قال الله تعالى: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:٤] ثم إن النبي صلى الله عليه وسلملم يعين من بعده مشرعاً، بل قال: ((لا نبي بعدي)) (١).
حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة لأنه جاء بشريعة هي خاتمة الشرائع.
وكمل الله له الدين وأتم عليه نعمته فقال تعالى:
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا [المائدة:٣]. فالزيادة والنقصان في الأذان وغيره يعدان تشريعاً، وما لم يشرع فهو بدعة. انتهى. (الاعتصام بحبل الله / منشورات ديوان النشر والترجمة والتأليف التابع لجامعة مدينة العلم للإمام الخالصي الكبير في الكاظمية ص ١٧ - إصدار سنة (١٩٥٥م) - بتصرف)
وقد أجمع فقهاء الشيعة الإمامية، على أن كل زيادة أو نقصان في الأذان والإقامة (هو أمر مبتدع) يؤدي إلى بطلانهما ويأثم من اعتقد جزئية تلك الزيادة واعتبرها فصلا فيهما ومن هذا المنطلق أجمع الفقهاء على أن الشهادة الثالثة ليست جزءاً من الأذان والإقامة.
وهنا أهيب بالقارئ الكريم أن يراجع الكتب الفقهية سواء الاستدلالية منها أو الرسائل العملية، فإنه لا محالة سيجد أن كل من ذكر فصول الأذان والإقامة فإنه لم يذكر فيهما الشهادة الثالثة بل وتجده قد صرح بعدم جزئيتهما فيهما وهذه جملة من الكتب القديمة والحديثة كمثال على هذه الحقيقة.
أقوال فقهاء الإمامية:
١ - شيخ الطائفة الطوسي:
قال: فأما ما روي من شواذ الأخبار من قول أن علياً ولي الله وآل محمد خير البرية فمما لا يجوز عليه في الأذان والإقامة فمن عمل به كان مخطئاً (النهاية في مجرد الفقه والفتاوى / الطوسي ص٦٩).
وقال في (المبسوط):
فأما قول: أشهد أن علياً أمير المؤمنين وآل محمد خير البرية على ما ورد في شواذ الأخبار فليس بمعمول عليه في الأذان ولو فعله الإنسان لم يأثم به، غير أنه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله (المبسوط / الطوسي ١/ ٩٩).
٢ - الشهيدان الأول والثاني:
جاء في (اللمعة الدمشقية) وشرحها للشهيدين الأول والثاني, الأول: محمد بن جمال الدين مكي العاملي)، الثاني: زين الدين العاملي, وهما من كبار علماء الشيعة الإمامية في جبل عامل جنوب لبنان في القرنين السابع والعاشر الهجريين, ما نصه:
لا يجوز اعتقاد شرعية غير هذه الفصول في الأذان والإقامة، كالشهادة بالولاية لعلي - عليه السلام - وأن محمداً وآله وسلم خير البرية أو خير البشر وإن كان الواقع كذلك, فما كل واقع حقا يجوز إدخاله في العبادات الموظفة شرعا المحدودة من الله تعالى فيكون إدخال ذلك فيها بدعة وتشريعا، كما لو زاد في الصلاة ركعة أو تشهداً ونحو ذلك من العبادات وبالجملة فذلك من أحكام الإيمان لا من فصول الأذان.
ويقول الشهيد الأول:
قال الصدوق إن ذلك من وضع المفوضة وهم طائفة من الغلاة (مرجعية المرحلة وغبار التغيير / الشيخ جعفر الشاخوري ص ١٨٠) (الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية / الشهيد الأول ١/ ٥٧٣ باب الأذان والإقامة).
٣ - المقدس الأردبيلي:
قال الأردبيلي ناقلاً كلام الصدوق:
(١) رواه البخاري (٣٤٥٥) ومسلم (١٨٤٢) , من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.