أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ [البقرة:٨٥]. ثالثاً: يكفي من قال بهذا الاستحباب أن يأتي بالمستحب وهو قول: (علي ولي الله أو أمير المؤمنين) مرة واحدة, فلماذا يؤتى بها مرتين على منهاج فصول الأذان في التعداد والكيفية, فما الذي حملهم على ذلك؟ نعم حملهم على ذلك اتباع الهوى والشهوات وتنفيذ الرغبات لا تنفيذ أمر الله أعوذ بالله من الزيغ. رابعاً: إن عملهم هذا في الأذان والإقامة على خلاف سنة الرسول صلى الله عليه وسلم والأئمة عليهم السلام إذ لم يعهد منهم عمل ذلك, فالقول باستحبابه هو جرأة عليهم وطعن بهم ولو كان مستحبا ما تركوه. انتهى. (الاعتصام بحبل الله / ص ٥٣ - ٥٥)
أقول: عندما نتكلم عن الإتيان بالشهادة الثالثة بقصد الجزئية المستحبة - والاستحباب حكم من الأحكام الشرعية - لابد والحالة هذه أن يكون للمفتي دليله على الفتوى بالاستحباب، وإلا لكانت فتواه تقولاً على الله بلا علم والله سبحانه وتعالى يقول: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِين ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ [الحاقة:٤٤ - ٤٦]، وقال تعالى: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [الإسراء:٣٦]. فضلا عن خصوصية الأذان وكون الأذان توقيفياً. ففي مسألتنا مشكلتان يجب حلهما: المشكلة الأولى: إن المؤذن القائل بالشهادة الثالثة في الأذان بقصد الجزئية المستحبة، يحتاج إلى دليل قائم على الاستحباب، وإلا ففتواه بالاستحباب أو عمله هذا يكون محرماً، لأنها ستكون دعوى بلا دليل، والشاعر يقول: والدعاوى إن لم تقيموا عليها بينات فأبناؤها أدعياء
وسيكون حالها كسائر المستحبات في غير الأذان، فكما لو أن مفتياً أفتى باستحباب شيء بلا دليل وهذا لا يجوز فكذلك لا يجوز القول باستحباب النطق بالشهادة الثالثة لأنها أيضاً بلا دليل. المشكلة الثانية: تكمن في خصوص الأذان، إذ أن الأذان هو أمر توقيفي فزيادة شيء فيه أو إنقاص شيء منه هو تصرف في الشريعة، وهذا الفعل بدعة، فيلزم على القائل بالجزئية الاستحبابية أو المستحبة إقامة الدليل وإلا وصم بالابتداع. ٣ - التبرير الثالث: إنها رمز للتشيع: قد أدى قول بعض متأخري فقهاء الإمامية في جواز الإتيان بالشهادة الثالثة في الأذان إلى حدوث منازعات ومهاترات كلامية بينهم وبين القائلين بعدمها ممن ساروا على نهج الفقهاء المتقدمين الذين كانوا يرون عدم شرعية التلفظ بهذه الزيادات وعد قائليها من المفوضة الملعونين على لسان الأئمة والفقهاء المتقدمين. ولعل ما سطره محمد العاملي الكاظمي في كتاب (الاعتصام بحبل الله) من ردود ومناقشات رد فيها على السيد محسن الحكيم نيابة عن شيخه آية الله محمد مهدي الخالصي ما يرسم لنا صورة واضحة لذلك الواقع المعاش في زوايا الحوزات والمنتديات الشيعية، حيث قال:"وسيأتي قريباً ما سأكتبه في تزييف فتوى الحكيم في هذا المقام وأنا تلميذ الخالصي بل أقل تلامذته ليعرف من ذلك مقام الحكيم في الفتيا واستنباط الأحكام الشرعية". فرد على فتوى الحكيم من عشرين وجها، ولا أدري لو رد آية الله الخالصي بنفسه على هذه الفتاوى فكيف سوف يكون الرد؟ ومن كم وجه؟ فهذا يعكس صورة جلية واضحة لما أشرنا إليه من خلاف، وتمزق، وتشرذم، بين فقهاء الإمامية في هذه المسألة.