للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن من استجاب للنداء كان الفلاح أي الجنة نصيبه. ومن ترك الصلاة فلا فلاح ولا جنة, فالفلاح والصلاة قرينان لا يفترقان. والفلاح نهاية. والبداية طاعة الله ورسوله. وأعظم ما يطاع الله به ورسوله الصلاة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((الصلاة عمود الدين من أقامها أقام الدين ومن هدمها هدم الدين)) (١) والله يطاع بالتوحيد, والرسول يطاع بالاتباع, فجاء تسلسل الكلام مترابطاً وثيقاً حكيماً. ابتدأ بالتوحيد وثنى بالاتباع وثلث بالدعوة إلى الصلاة لينتهي بالفلاح ولا شيء بعد الفلاح كما قال تعالى: الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة: ١ - ٥]

فيكون مضمون الأذان ـ إلى هذا الحد ـ قد انتهى, وما بقي إلا أن يختم كما يختم على الجواهر الثمينة فجاء الختام بقوله: (الله أكبر، الله أكبر, لا إله إلا الله). إعادة مختصرة لما جاء في أوله وتذكيراً أخيراً للسامع الذي لم يتهيأ أو يتحرك بعد، وأن الله تعالى أكبر من كل شيء يشغله, وإن الانشغال والتعلق والتأله ينبغي أن يكون لله. والكلام إذا أُريد له أن يعاد ينبغي أن يختصر مراعاة للبلاغة وذلك لدلالة ما قبله عليه وإلا كان تطويلاً في غير موضعه. فجاءت خاتمة الأذان مختصرة إلى النصف فالتكبيرات الأربع صارت اثنتين. والشهادة التي كررت مرتين اُختصرت واحدة, ولا داعي لإعادة باقي الكلام, وإلا صار التكرار مملاً خارجاً عن الذوق وضعفت قوة كلام الداعي, وصار كلامه أشبه بالاستعطاف منه بالأمر الإلهي. وعلى هذا الأساس تكون الزيادات التي أضيفت إلى الأذان مما يخل به ويخرجه عن جلاله وجماله ويشير إلى نقصه وعدم كماله لأن البناء الكامل لا يحتاج إلى زيادة. فالروعة الكامنة (في فجائية الابتداء بالتكبير) دون مقدمات ومناسبتها لحال السامع تتبخر تماماً إذا ما أخر التكبير وابتدأ بأي كلام آخر حتى ولو كان قرآناً, فإن لكل مقام مقالاً. والشهادة لعلي بالولاية لا تضيف للنداء بالصلاة معنى مناسباً له بعد التكبير الذي يقطع السامع عما يشغله، وشهادة التوحيد التي تعلقه بالله وحده وهو الأصل، والشهادة بالرسالة التي تجعل العمل طبقاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ثم أفصح المنادي عن المطلوب وهو الصلاة التي هي الفلاح الذي هو الغاية أو النهاية, فلم يبق بعد شيء يمكن أن يضاف. فما وجه النداء بالولاية لعلي أو غيره, وصلته أو مناسبته للصلاة، والصلاة غير متوقفة عليه كما هي متوقفة على الرب المعبود أو الرسول المتبوع! وأما (حي على خير العمل) فمعنى زائد لا داعي له بعد (الفلاح)

وأما تكرير التكبيرة الأخيرة فمناف للذوق والبلاغة, فالحال تقتضي الاختصار، والاختصار ينبغي أن يكون فيه تناسب وتناسق, وهذا يعني أن اللفظ الذي كرر مرتين ينبغي أن يعاد مرة واحدة تناسباً وتناسقاً مع اختصار الرباعي إلى اثنين، فيكون القانون الساري واحداً وهو اختصار الألفاظ إلى النصف, وإلا وقع التنافر وصار الأمر بلا قانون, وخرج عن التناسب والتناسق والذوق والبلاغة. وأما (الصلاة خير من النوم) مرتان في النداء الأول لصلاة الصبح فمتناسب جداً مع الحال ومتطابق مع أصول البلاغة التي تقضي بمناسبة المقال لمقتضى الحال. إن أغلب المصلين في هذا الوقت نيام، وللنوم سلطان على النفوس, ليس من اليسير منازعته, فتحتاج الحال إلى محفز خاص لا تحتاجه في بقية الأوقات, وهو (الصلاة خير من النوم) وتستطيع أن تقارن هذا ومناسبته لنداء الصبح مع إضافة (أشهد أن علياً ولي الله) التي لا تعطي أي معنى مناسب فهي محض زيادة بلا فائدة وذلك مناقض للشرع الحكيم! والحمد لله على دين يأسر العقول والقلوب معاً والشكر له أن جعلنا مسلمين.

المصدر:الشهادة الثالثة في الأذان حقيقة أم افتراء لعلاء الدين البصير


(١) لم أجده بهذا التمام، وقد أخرج أوله البيهقي في ((شعب االإيمان)) ٣/ ١٠٧٧ (٢٨٠٧) قال الحاكم- كما في ((الشعب)): [فيه] عكرمة لم يسمع من عمر وأظنه أراد ابن عمر. وضعفه الألباني في ((ضعيف الجامع)) (٣٥٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>