للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجواب، والرد عليه من ثلاثة أوجه: الوجه الأول (١): إن هذه الآية غاية ما تفيده أنه عند إفراد الربوبية تدخل فيها الألوهية، باعتبار أن الاسم يدل على المعنى إما مطابقة أو تضمناً أو التزاماً (٢)، فيلزم من كونه رباً أن يكون إلهاً معبوداً مطاعاً، فالدلالة لزومية هنا، ولهذا كان يحتج الله على المشركين باعترافهم بتوحيد الربوبية ليثبتوا توحيد الألوهية، ولذلك فهذه الآية لا تفيد حصر التوحيد في الربوبية، وإذا سُلم أنها دالة على توحيد الربوبية فقط فإنها لا تنفي غيره، وقد وردت أدلة أخرى دالة على الألوهية فيجب الأخذ بها، كقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: ٢١ - ٢٣] فتضمنت الآيتان توحيدي الألوهية والربوبية أما الألوهية ففي جانبي الإثبات والنفي المذكورين وهما: اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ وفَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً، وأما الربوبية ففي تقرير الله تعالى أنه خالقهم وخالق كل الناس، والمنعم عليهم بأنواع النعم – ثم قررهم بقوله: وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ أي وأنتم تعلمون أنه لا رب لكم غير الله تعالى فكيف تشركون به في العبادة؟! (٣).ومن الآيات الدالة كذلك على نوعي التوحيد: قول الله تعالى: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ [يوسف: ١٠٦] قال مجاهد في تفسير الآية "إيمانهم: قولهم: الله خالقنا ويرزقنا ويميتنا، فهذا إيمان مع شرك عبادتهم غيره" (٤) – وقال قتادة: "إنك لست تلقى أحداً إلا أنبأك أن الله ربه وهو الذي خلقه ورزقه وهو مشرك في عبادته (٥). وقال ابن زيد: "ليس أحد يعبد مع الله غيره إلا وهو مؤمن بالله، ويعرف أن الله ربه وأن الله خالقه ورازقه، وهو يشرك به. ألا ترى كيف قال إبراهيم عليه السلام: قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ [الشعراء: ٧٥، ٧٦، ٧٧]، وقد عرف أنهم يعبدون رب العالمين مع ما يعبدون، قال: فليس أحد يشرك به إلا وهو مؤمن به. ألا ترى كيف كانت العرب تلبي تقول: "لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك، المشركون كانوا يقولون هذا" اهـ (٦).الوجه الثاني: إن الآية وهي قوله: أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ يحتمل أن تكون كنظائرها التي تقدمت في إلزام الله تعالى للناس باعترافهم بالربوبية ليفردوه بالعبادة – ولذلك قال الشيخ محمد بشير السهسواني: "إن الإقرار بتوحيد الربوبية مع لحاظ قضية بدهية، وهي: أن غير الرب لا يستحق العبادة يقتضي الإقرار بتوحيد الألوهية عند من له عقل سليم وفهم مستقيم، فيكون الإقرار المذكور حجة عليهم، كما احتج الله تعالى على المشركين بتوحيد الرازق ومالك السمع والأبصار ... على وحدانية الألوهية" (٧).الوجه الثالث: (٨)


(١) انظر هذا الوجه في ((صيانة الإنسان)) (ص: ٤٤٢).
(٢) انظر: ((أنواع الدلالات وتعريفاتها)) (ص: ٣٨٢).
(٣) انظر ((جامع البيان للطبري)) (١/ ١/١٦٠ - ١٦٤).
(٤) ((جامع البيان للطبري)) (٨/ ١٣/٧٧ - ٧٨).
(٥) ((جامع البيان للطبري)) (٨/ ١٣/٧٨).
(٦) ((جامع البيان للطبري)) (٨/ ١٣/٧٨ - ٧٩).
(٧) ((صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان)) (ص: ٤٤٣).
(٨) انظر هذه الوجه في ((صيانة الإنسان)) (ص: ٤٤٧) ..

<<  <  ج: ص:  >  >>