للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يكون المراد بالرب في الآية: المعبود – كما في قول الله تعالى: اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ [التوبة: ٣١]، ومن المعلوم أن أهل الكتابين ما كانوا يقولون إن أحبارهم ورهبانهم يخلقون ويرزقون ونحو ذلك، ولذلك نبه الله عليهم في آخر الآية نفسها بالذي أمرهم به وهو: وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة:٣١].

نعم إن الشرك في الألوهية الذي وقعوا فيه باتخاذ القبور مساجد ونحو ذلك متضمن للشرك في بعض مسائل الربوبية – لا أصل الربوبية كله – وذلك كالطاعة المطلقة للأحبار والرهبان التي هي شرك في التشريع كما قال الله تعالى: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ [الشورى: ٢١] ولذلك فالآية دالة على نوعي التوحيد بالمفهوم لا على نوع واحد فضلاً عن حصره فيه. الوجه الرابع: قال الشيخ السهسواني: "الاحتمال الثاني: أن في الآية اختصاراً والمقصود: ألست بربكم وإلهكم، يدل عليه أثر ابن عباس رضي الله عنهما: "إن الله لما مسح صلب آدم فاستخرج منه كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة، فأخذ منهم الميثاق أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وتكفل لهم بالأرزاق" (١) وفي أثر أبي بن كعب رضي الله عنه – (فذكره وفي آخره): "اعلموا أنه لا إله غيري ولا رب غيري فلا تشركوا بي شيئاً، فإني سأرسل إليكم رسلي يذكرونكم عهدي وميثاقي وأنزل عليكم كتبي، قالوا: نشهد أنك ربنا وإلهنا، لا رب لنا غيرك ولا إله لنا غيرك، فأقروا له يؤمئذ بالطاعة"." (٢) اهـ.

وإذا كان كذلك فإنه لا يفهم أن الآية دالة على الربوبية فقط وأنه يكتفي بالتوحيد فيها فقط. كيف والأدلة دالة على أن الإقرار بالربوبية فقط لا يكفي وإنما لابد من الإقرار بتوحيد الألوهية مع توحيد الربوبية. الشبهة الثانية: قال أحمد دحلان: "ومن المعلوم أن من أقر لله بالربوبية فقد أقر له بالألوهية إذ ليس الرب غير الإله، بل هو الإله بعينه، وفي الحديث: إن الملكين يسألان العبد في قبره فيقولان له من ربك؟ ولم يقولا له: من إلهك؟ فدل على أن توحيد الربوبية هو توحيد الألوهية" (٣).

الجواب:

كلامه غير مستقيم في قوله: "من أقر لله بالربوبية فقد أقر له بالألوهية" إذ يناقض ما حكاه الله عن المشركين بقوله: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر: ٣] فهم قد أقروا بنص القرآن لله بأنه ربهم ثم أشركوا به في ألوهيته. وقد تقدم ذكر قوله تعالى: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ [يوسف: ١٠٦] ونقل أقوال الأئمة الذي يفيد أن المشركين كانوا يقرون لله تعالى بالربوبية ويشركون به في الألوهية أي العبادة. فلو قال دحلان: من أقر لله بالربوبية يلزمه أن يقر له بالألوهية، لاستقام كلامه، ولكن كلامه لا يصدق إلا على المؤمنين فلا يعتبر قضية عامة، إذ الواقع بخلافها.

ثم إن قوله "ليس الرب غير الإله بل هو الإله بعينه" فكلام صحيح في واقع الأمر وفي اعتقاد الموحدين، ولكن فيه تلبيس، ولكشفه فإنه لابد من بيان ثلاث حالات:

الحالة الأولى: أن الإله هو الرب نفسه في واقع الأمر – فهذه القضية صحيحة لا شك فيها.


(١) أثر ابن عباس الموقوف – أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره ((جامع البيان)) (٦/ ٩/١١٢).
(٢) ((صيانة الإنسان عن وسوسة دحلان للسهسواني)) (ص: ٤٤٦).
(٣) ((الدرر السنية في الرد على الوهابية)) (ص: ٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>