للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحالة الثانية: أن الإله هو الرب نفسه في اعتقاد الموحدين المؤمنين كما عليه في نفس الأمر – وهذه قضية صحيحة لا شك فيها أيضاً. الحالة الثالثة: أن الإله هو الرب نفسه في اعتقاد المشركين، وهذا هو محل النزاع، فإن الإله الحق في نفس الأمر واعتقاد الموحدين هو الرب نفسه، إلا أن المشركين كانوا يتخذون غير الله آلهة مع اعترافهم بأن الله هو الرب الخالق المالك المدبر، فلذلك لا يصح كلام دحلان ولا ينطبق على هذه الحالة، وبه يتبين وجه تلبيسه، ثم إن كثيراً ممن ينتسب إلى الإسلام ممن وقع في الشرك يقر لله تعالى بالربوبية والألوهية، ولكنه يأتي بما يخالف إقراره فيقع في بعض أنواع الشرك ويسميها بغير اسمها، وهذا لا يغير من الحقيقة شيئاً كالذي يشرب الخمر ويسميها بغير اسمها (١).

وأما احتجاجه بحديث سؤال الملكين: "من ربك؟ " وقوله بعده: "فدل على أن توحيد الربوبية هو توحيد الألوهية"، فجوابه كما تقدم أن الرب المقصود به الإله، ويقويه رواية البخاري: "إذا أقعد المؤمن في قبره أتي، ثم شهد: أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله" فهذه الرواية تفسر الرواية الأخرى الواردة بلفظ "من ربك"، إذ المقصود توحيد الألوهية المتضمن لتوحيد الربوبية لا توحيد الربوبية فقط. ويقويه كذلك أنه قد علم بأدلة قطعية أنه ليس كل من أقر لله بالربوبية فقد أقر له بالألوهية – إذ قد خالف في هذا المشركون بالله غيره في العبادة. الشبهة الثالثة: قال دحلان بعد كلام مليء بالتهم الباطلة: "وهل للكافر توحيد صحيح؟ فإنه لو كان للكافر توحيد صحيح لأخرجه من النار، إذ لا يبقى فيها موحد" (٢)

الجواب:

ما قال أحد من أهل السنة إن من أشرك في الألوهية وأقر لله بالربوبية يكون وتوحيده صحيحاً ويوجب له دخول الجنة، كيف وقد قال الله تعالى: إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة: ٧٢] فالآية فيها الإطلاق، أي من يشرك بالله شركاً أكبر في الألوهية أو الربوبية يدخل النار. وأما أن يفهم دحلان أن من أقر لله تعالى بالربوبية يكون توحيده صحيحاً فهذا إنما يلزمه هو بناءً على أصله من أن توحيد الربوبية هو الغاية العظمى، وهي التي بالغ فيها سلفه الأشاعرة في تحقيقها (٣)، ولذلك ظن دحلان أن من أقر لله بالربوبية يكون له توحيد صحيح، وأما أهل السنة فلا يقولون بهذا القول، ومستندهم في ذلك قول الله تعالى وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ [يوسف: ١٠٦] فسماهم الله تعالى مشركين وإن كانوا قد آمنوا بأنه ربهم وخالقهم! الشبهة الرابعة: قال دحلان: "فهل سمع المسلمون في الأحاديث والسير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدمت عليه أجلاف العرب ليسلموا على يده يفصل لهم توحيد الربوبية والألوهية ويخبرهم أن توحيد الألوهية هو الذي يدخلهم في دين الإسلام أو يكتفي منهم بمجرد الشهادتين وظاهر اللفظ ويحكم بإسلامهم؟، فما هذا الافتراء والزور على الله ورسوله، فإن من وحد الرب فقد وحد الإله، ومن أشرك بالرب أشرك بالله، فليس للمسلمين إله غير الرب، فإذا قالوا: لا إله إلا الله، إنما يعتقدون أنه هو ربهم فينفون الإلهية عن غيره كما ينفون الربوبية عن غيره أيضاً، ويثبتون له الوحدانية في ذاته وصفاته وأفعاله" (٤).

الجواب من وجهين:


(١) انظر ((صيانة الإنسان)) (٤٤٧ - ٤٤٨)، و ((رسالة الشرك ومظاهره)) (ص:٩٠).
(٢) ((الدرر السنية)) ص: ٤٠ - ٤١).
(٣) انظر قولهم في ((مسألة الواجب على المكلف)) (ص: ٣١٤ - ٣٥٤).
(٤) ((الدرر السنية في الرد على الوهابية)) (ص: ٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>