للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالوا: إن غسل النيروز سنة كما صرح بذلك ابن فهد، وهذا الحكم محض ابتداع في الدين، إذ لم ينقل في كتبهم أيضاً عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، ولا عن الأئمة أنهم اغتسلوا يوم النيروز، بل لم تكن العرب تعرف ذلك اليوم؛ لأنه من الأعياد الخاصة بالمجوس. وقالوا: إن من وجب عليه القتل حداً أو قصاصاً إذا اغتسل قبل القتل لا يعاد عليه الغسل بعده (١)، بل يجزئ اغتساله كما نص عليه بهاء الدين العاملي في (جامعه) (٢)، وأنت خبير بأن علة الحكم قبل القتل غير متحققة البتة، فكيف يترتب الحكم وإذا وجدت (٣) كيف لا يترتب؟ فحينئذ يلزم الانفكاك بينهما، والحال أن العلل الشرعية كالعقلية في ترتب (١٢٢/ أ) ما يتوقف عليها ويحتاج إليها وجوداً وعدماً. وقالوا: يكفي للتيمم ضربة واحدة (٤)، مع أن روايات الأئمة ناطقة بخلاف هذا الحكم، روى العلاء عن محمد بن مسلم عن أحدهما قال: سألته عن التيمم فقال: ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين. (٥)، وروى ليث المرادي عن أبي عبد الله نحوه (٦)، وروى إسماعيل بن همام الكندي عن الرضا مثل ذلك (٧)، وزادوا في التيمم مسح الجبهة، ولا أصل له في الشرع أيضاً (٨).وقالوا: إن الخف والقلنسوة والجورب والنطاق والعمامة والتكة (٩)، وكل ما يكون على بدن المصلي مما لا يمكن الصلاة فيه وحده يجوز الصلاة بها، وإن كانت متلطخة بعذرة الإنسان وغيرها من النجاسات المغلظة (١٠)، وهذا الحكم مخالف لصريح الكتاب أعني قوله تعالى: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر: ٤] ولا شك أن هذه الأشياء يطلق عليها لفظ الثياب شرعاً وعرفاً، ولهذا تدخل في يمين تنعقد بلفظ الثياب نفياً وإثباتاً. وقالوا: إن ثياب بدن المصلي - كالأزرار والقميص والسراويل - يجوز الصلاة بها، وإن تلطخت بدم الجروح والقروح (١١)، مع أن الدم والصديد ونحوهما - سواء كانت من جرحه أو جرح غيره - نجسة بلا شبهة، وهذا في حق غير المبتلى بهما، وأما في حقه فمعفو عنه؛ لتعسر الاحتراز عن ذلك حينئذ.

المصدر:غرائب فقهية عند الشيعة الإمامية لمحمود شكري الألوسي


(١) قال ابن إدريس (وهو من فقهائهم المشاهير) في باب الحدود، في حد تنفيذ القتل بالقاتل: " يجب أن يغتسل قبل موته ولا يجب غسله بعد موته وقتله، وهو المقتول قوداً والمرجوم فإنهما يؤمران بالاغتسال فإذا أغتسلا قتلا ولا يجب غسلهما بعد قتلهما ويجب على من مسهما بعد القتل الغسل ... ". ((السرائر)) (١/ ٤٧١) , وكذلك ذكر الرأي نفسه (المحقق) الحلي في ((شرائع الإسلام)) (١/ ٨٢).
(٢) هو ((الجامع العباسي)) كتاب في الفقه، قال الطهراني وغيره من رجال الإمامية صنفه: " البهائي للشاه عباس الصفوي "، وطبع منه حتى كتاب الحج. ((الذريعة)) (٥/ ٦٣).
(٣) في الأصل (إذا وجدت). والتصحيح من ((التحفة الاثني عشرية)) (ص ٢١٤).
(٤) وهذا ما قرره علمائهم، ينظر المرتضى، ((الناصريات)) (ص ٨٤)؛ ابن زهرة ((الغنية)) (ص ٨٥) , المحقق الحلي ((شرائع الإسلام)) (١/ ٧١).
(٥) الطوسي ((تهذيب الأحكام)) (١/ ٢١٠) , ((الاستبصار)) (١/ ١٧٢).
(٦) الطوسي ((تهذيب الأحكام)) (١/ ٢٠٩) , الحر العاملي ((وسائل الشيعة)) (٣/ ٣٦١).
(٧) الطوسي ((تهذيب الأحكام)) (١/ ٢١٠) , ((الاستبصار)) (١/ ١٧٢).
(٨) قال (شيخ الطائفة) الطوسي:" إن المسح يجب في التيمم ببعض الوجه وهو الجبهة والحاجبان ". ((تهذيب الأحكام)) (١/ ٦١).
(٩) التِّكَّة: واحدة التّكك وهي رباط السراويل. ((لسان العرب))، مادة تكك (١٠/ ٤٠٦).
(١٠) وهذا ما قرره شيخهم المفيد عندما قال: " وإن أصابت تكته أو جوربه (نجاسة) لم يحرج بالصلاة فيها، وذلك مما لا تتم الصلاة بهما دون ما سواهما من اللباس ". ((المقنعة)) (ص ٣٦).
(١١) عن ليث قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل تكون فيه الدماميل والقروح فجلده وثيابه مملوءة دماً وقيحاً؟ فقال: يصلي في ثيابه ولا يغسلها ولا شيء عليه ". ((تهذيب الأحكام)) (١/ ٢٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>