للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

, فلو كان التوسل بالمكانة أو الجاه مشروعاً لما عدلوا عن التوسل به صلى الله عليه وسلم ومن ادعى جواز التوسل بذاته رده سياق الحديث، وعلى فرض صحة دعواه فإن ذلك لا يمكن إثباته حال الغيبة أو الموت للفرق الواضح بينهما - على فرض مشروعيته - وبين الاستغاثة بذلك الشخص. يوضحه: أن الاستغاثة هي طلب الغوث (١)، فالمستغيث طالب للغوث من المستغاث به، والاستغاثة تكون على ضربين: (١) أن يكون المستغاث منه ممكناً للخلق أن يغيثوا منه. (٢) أن لا يكون ذلك في قدرة أحد إلا الله تعالى. فالأول: واضح لا إشكال فيه ولا خلاف في جوازه. وأما الثاني فإنّ الإنسان إذا استغاث بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله يكون قد أشرك بالله تعالى، إذ إجابة المضطرين على هذا النحو من خصائص ربوبية الله تعالى كما قال: أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ [النمل: ٦٢]، وقال تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف: ٤ - ٥]، وقال تعالى: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر: ١٣ - ١٤].فقد حكم الله بضلال من يدعو من لا يستجيب له، ثم بين أن له الملك وحده، وأن غيره لا يملك شيئاً فوجب إذاً أن يدعى الله وحده، ثم حكم أن المدعوين من دونه لا يسمعون إما لموتهم أو نحو ذلك، ولو سمعوا ما استجابوا وقد سمى الله ذلك شركاً (٢).فعلى هذا تكون الاستغاثة المنفية عن غير الله نوعين (٣): الأولى: الاستغاثة بالميت مطلقاً في كل شيء. والثانية: الاستغاثة بالمخلوق الحي فيما لا يقدر عليه إلا الخالق. ومما تقدم يعرف الفرق بين التوسل بدعاء الشخص وبين الاستغاثة به، فالمستغاث به مطلوب مدعو، وأما المتوسل به فهو غير مطلوب ولا مدعو، وإنما يطلب به، والمستغيث كذلك طالب من المستغاث به، بخلاف توسله بالشخص فإنه طالب به لا منه، وإنما يطلب من الله تعالى وحده ويفرده بالدعاء والمسألة في أن يقبل شفاعة المتوسل به (٤). الأمر الثاني: مما فيه قلب الحقائق: فإنهم ذكروا أن الدعاء الوارد في الآيات إنما هو عبادة لا طلب ومسألة، وفرق بين العبادة والمسألة (٥) ومقصودهم من هذا التفريق: أن دعاء المسألة لا شرك فيه، ولو كان السائل ينادي ميتاً أو غائباً أو جماداً، إذ الدعاء - الذي هو الطلب - ليس من العبادة! والجواب من وجهين: الوجه الأول: لا شك أن الدعاء نوعان: دعاء عبادة ودعاء مسألة - والإضافة هنا بيانية أي الدعاء الذي هو عبادة، والدعاء الذي هو السؤال والطلب، والفرق بينهما هو كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " ...


(١) انظر ((الدر النضيد للشوكاني)) (ص: ١٤٤) ضمن الرسائل السلفية.
(٢) انظر ((الرد على شبهات المستغيثين بغير الله)) لأحمد بن إبراهيم بن عيسى النجدي ((ص: ٤١ - ٤٢).
(٣) انظر ((القول الفصل النفيس في الرد على ابن جرجيس)) (ص: ١٧٩)، وانظر ((تطهير الاعتقاد)) (ص: ٢٥).
(٤) انظر ((الاستغاثة والرد على البكري)) (ص: ١٩٠) و ((غاية الأماني في الرد على النبهاني)) (٢/ ٢٩١).
(٥) انظر هذه الشبهة في ((الدرر السنية)) (ص: ٣٤) و ((رسالة قوة الدفاع والهجوم)) (ص: ٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>