للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دعاء العبادة يكون الله هو المراد به، فيكون الله هو المراد، ودعاء المسألة يكون (الله هو) المراد منه، كما في قول المصلي: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: ٥] فالعبادة إرادته، والاستعانة وسيلة إلى العبادة، (فإرادة العبادة): إرادة المقصود، وإرادة الاستعانة: إرادة الوسيلة إلى المقصود، ولهذا قدم قوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ، وإن كانت لا تحصل إلا بالاستعانة، فإن العلة الغائية مقدمة في التصور والقصد، وإن كانت مؤخرة في الوجود والحصول، وهذا إنما يكون لكونه هو المحبوب لذاته" (١). ودعاء المسألة متضمن لدعاء العبادة، ودعاء العبادة مستلزم لدعاء المسألة، وذلك يتضح بالآتي: وهو أن دعاء المسألة: طلب الداعي ما ينفعه، وطلبه كشف ما يضره أو دفعه عنه قبل وقوعه، والضر والنفع مالكهما هو الله سبحانه، ومالك الضر والنفع هو المعبود لا غيره، ولهذا عاب الله تعالى من يعبد ما لا يملك ضراً ولا نفعاً وبهذا يظهر أن العابد لابد أن يكون راجياً من معبوده نفعاً وطالباً منه كشف الضر أو دفعه ويفزع إليه في ذلك - وهذا من تمام عبوديته - فإذاً إن عبوديته لله تستلزم أن يسأل الله تعالى ويدعوه، وفي سؤاله لله تعالى قد جمع أنواعاً من العبادة: منها: إسلام الوجه له تعالى ورغبته إليه والاعتماد عليه والخضوع والتذلل له وحده، لهذا كان دعاء المسألة متضمناً لدعاء العبادة (٢). وعليه بطل قولهم في أن دعاء المسألة ليس بعبادة. الوجه الثاني: هذا الذي ذكروه من أن الدعاء ليس بعبادة قول مخالف لكتاب الله ولسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقول الأئمة ولقول المتقدمين من الأشاعرة ومنهم الرازي الذي صرح بأن الدعاء هو أعظم العبادات. ثم إن الله نص على أن دعوة المشركين لشركائهم دعاء مسألة من الشرك به، وذلك بعد بيانه أنه مالك كل شيء وأن من دونه لا يملكون شيئاً فقال: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر ١٣ - ١٤]- قول: لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ صريح في أن الدعاء كان دعاء مسألة، ثم وصفه بكونه شركاً بقوله: يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وهذا رد على زعم من يقول إن دعاء المسألة ليس بعبادة (٣). الشبهة الثانية: دعوهم أن الإنسان إذا دعا غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله لا يكون مشركاً إلا إذا اعتقد أن لغير الله تأثيراً أو اعتقد الألوهية لغير الله. فمن أقوالهم في هذه المسألة: "فالذي يقدح في التوحيد هو اعتقاد التأثير لغير الله أو اعتقاد الألوهية واستحقاق العبادة لغير الله، وأما مجرد النداء من غير اعتقاد شيء من ذلك فلا ضرر فيه" (٤). والجواب: هذه الشبهة تدور حول مسألتين: الأولى: أن ذلك الدعاء لا يكون شركاً إلا إذا صاحبه اعتقاد التأثير لغير الله. الثانية: أو إذا صاحبه اعتقاد الألوهية واستحقاق العبودية لغير الله.


(١) ((النبوات)) (ص: ١٣٦) وما بين العلامتين () فزيادة مني للإيضاح.
(٢) ((الرد على شبهات المستغيثين بغير الله)) - للشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى (ص: ٤٧).
(٣) انظر ((الرد على شبهات المستغيثين بغير الله)) (ص: ٤١).
(٤) ((الدرر السنية)) (ص٣٥) وانظر ((شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق)) (ص: ١٥٠) و ((رسالة قوة الدفاع والهجوم)) (ص: ١٨) و ((مفاهيم يجب أن تصحح)) (ص: ٢١ - ٢٥، ٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>