للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول الله عز وجل: وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [هود: ١١٨ـ ١١٩].يقول الإمام إسماعيل بن كثير رحمه الله في تفسيرها: " وقوله: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ أي: لا يزال الخلف بين الناس في أديانهم واعتقادات مللهم ونحلهم ومذاهبهم وآرائهم (١).ويقول سبحانه: وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ [يونس: ٩٩] أي: لو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم بحيث لا يخرج عنهم أحد مجتمعين على الإيمان لا يتفرقون فيه ويختلفون ولكنه لم يشأ ذلك لكونه مخالفا للمصلحة التي أرادها الله سبحانه ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على إيمان جميع الناس أخبره الله بأن ذلك لا يكون لأن مشيئته الجارية على الحكمة البالغة والمصالح الراجحة لا تقتضي ذلك (٢) ومثله قول تعالى: وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاء اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ إِنَّ اللهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ [الرعد: ٣١].فإيمان الناس جميعا وهدايتهم غير مرادة لله عز وجل كونا والفرقة واقعة بينهم لا محالة فمن شاء الله عز وجل له الهداية هداه, ومن شاء له الضلال أضله سبحانه, فهو الملك الحكيم العليم الله عز وجل شأنه (٣) ولقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوقوع الفرقة في هذه الأمة فقال: ((والذي نفسي بيده لتفترقن على ثلاث وسبعين فرقة فواحدة في الجنة واثنتان وسبعين في النار" قيل: يا رسول الله من هم؟ قال: هم الجماعة)) (٤).


(١) ([١٢١]) ((تفسير ابن كثير)) (٢/ ٤٤٦).
(٢) ([١٢٢]) ((فتح القدير)) للشوكاني)) (٢/ ٤٧٤).
(٣) ([١٢٣]) انظر ((تفسير ابن كثير)) (٢/ ٤٢٥) وانظر ((شرح العقيدة الطحاوية)) (٢/ ٧٧٥) ((فتح الباري)) (١٣/ ٢٩٦).
(٤) رواه ابن ماجه (٣٩٩٢)، وابن أبي عاصم في ((السنة)) (٦٣). من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه. قال ابن كثير في ((نهاية البداية والنهاية)) (١/ ٢٧): إسناده لا بأس به. وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): صحيح. والحديث روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه بلفظ: ((إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة)). رواه ابن ماجه (٣٩٩٣)، وأحمد (٣/ ١٢٠) (١٢٢٢٩)، وأبو يعلى (٧/ ٣٢)، كلهم بلفظ: (ثنتين وسبعين فرقة)، والطبراني في ((الأوسط)) (٨/ ٢٢) واللفظ له. من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. قال العراقي في ((الباعث على الخلاص)) (١٦): إسناده صحيح, وقال ابن كثير في ((نهاية البداية والنهاية)) (١/ ٢٧): إسناده جيد قوي على شرط الصحيح. وقال السخاوي في ((الأجوبة المرضية)) (٢/ ٥٦٩): رجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)). وعن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: ((افترقت اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة وتفرقت النصارى على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة)) رواه أبو داود (٤٥٩٦)، والترمذي (٢٦٤٠) وابن ماجه (٣٩٩١)، وأحمد (٢/ ٣٣٢) (٨٣٧٧) .. والحديث سكت عنه أبو داود. وقال الترمذي: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح. وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): حسن صحيح. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه بلفظ: ((وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة قالوا ومن هي يا رسول الله قال ما أنا عليه وأصحابي)) رواه الترمذي (٢٦٤١) وقال: هذا حديث مفسر غريب لا نعرفه مثل هذا إلا من هذا الوجه. وقال البغوي في ((شرح السنة)) (١/ ١٨٥): ثابت. وحسنه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)). ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه بلفظ: ((وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة يعني الأهواء كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة)). رواه أبو داود (٤٥٩٧)، أحمد (٤/ ١٠٢) (١٦٩٧٩)، والطبراني (١٩/ ٣٧٦)، والحاكم (١/ ٢١٨). والحديث سكت عنه أبو داود. وقال الحاكم: هذه أسانيد تقام به الحجة في تصحيح هذا الحديث. وصححه أحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (١/ ٤٠٠) – كما أشار لذلك في المقدمة -. وقال شعيب الأرناؤوط محقق ((المسند)): إسناده حسن وحديث افتراق الأمة منه صحيح بشواهده. وحسنه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).

<<  <  ج: ص:  >  >>