للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمما تقدم من نصوص تبين أن الافتراق واقع في الأمة وحال المسلمين الآن خير شاهد على وقوع هذه الفرقة من رفع رايات الحزبية والعصبية للرأي أو الاختلاف في أمور الدين أو بسبب التهالك على أمور الدنيا وما أكثرها.

ولقد جاءت هذه النصوص ليس فقط لتخبر وتعلم المسلم بوقوع الفرقة ولكن تخبره ليحتاط فلا يقع فيها وتعلمه بها ليلزم الجماعة ويتمسك بالسنة ويحذر الفرقة. يقول الإمام أبو بكر محمد الآجري رحمه الله: اعلموا رحمنا الله وإياكم أن الله تعالى قد أعلمنا وإياكم في كتابه أنه لا بد من أن يكون الاختلاف بين خلقه ليضل من يشاء ويهدي من يشاء جعل ذلك الله عز وجل موعظة يتذكر بها المؤمنون فيحذرون الفرقة ويلزمون الجماعة ويدعون المراء والخصومات في الدين ويتبعون ولا يبتدعون. (١) ويقول شيخ الإسلام أحمد بن تيمية بعد أن ذكر نصوصا كثيرة تخبر بوقوع الافتراق في هذه الأمة قال: وهذا المعنى محفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه يشير إلى أن التفرقة والاختلاف لا بد من وقوعهما في الأمة وكان يحذر أمته لينجو منه من شاء الله له السلامة (٢).لذلك يخطئ من يتعامل بسلبية وانهزامية مع الأحداث الواقعة في الأمة والفرقة التي تفتك بها منظرا أقدار الله لتقع محتجا أنها واقعة لا محالة فلم العمل؟!! مع أن المصطفى المختار أرشدنا ودفع هذه الشبهة عنا فعن عمران بن حصين قال: ((قال رجل: يا رسول الله أيعرف أهل الجنة من أهل النار؟ قال: نعم. قال: فلم يعمل العاملون؟ قال: كل يعمل لما خلق له أو لما يسر له)) (٣).وعن علي رضي الله عنه قال: ((كنا جلوسا مع النبي صلى الله عليه وسلم ومعه عود ينكث به في الأرض فنكس وقال: ما منكم من أحد إلا قد كتب مقعده من النار أو من الجنة فقال رجل من القوم: ألا نتكل يا رسول الله؟ قال: لا اعملوا فكل ميسر ثم قرأ: فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل:٥ - ١٠] (٤).

فانظر حينما سألوه: فيم يعمل العاملون؟ وظنوا أن التقدير يدفع إلى الاتكال وترك العمل رد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بإيجاب العمل فقال: (اعملوا) نعم يجب على المؤمن أن يعمل بما أمر الله به ويجتهد بأخذ الأسباب الموصلة إلى السلامة في الدنيا والآخرة وهو مع ذلك مؤمن بقدر الله وأنه (كل ميسر لما خلق).

المصدر:موقف الصحابة من الفرقة والفرق لأسماء السويلم - ص١٥٢ - ١٥٦


(١) ([١٢٥]) ((كتاب الشريعة)) (١/ ٢٨٠).
(٢) ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (١/ ١٤٣).
(٣) رواه البخاري (٦٥٩٦)، ومسلم (٢٦٤٩). من حديث عمران بن حصين.
(٤) رواه البخاري (٦٦٠٥)، ومسلم (٢٦٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>