للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال النابلسي: ما قلت هذا، فظن أنه رجع عن قوله، فقال له: كيف قلت؟ قال قلت: ينبغي أن نرميكم بتسعة ثم نرميهم بالعاشر، قال: ولم؟ قال: لأنكم غيرتم دين الأمة، وقتلتم الصالحين، وأطفأتم نور الإلهية، وادعيتم ما ليس لكم. فأمر بإشهاره في أول يوم، ثم ضرب في الثاني بالسياط ضربًا شديدًا مبرحًا، ثم أمر بسلخه - وهو حي- وفي اليوم الثالث جيء بيهودي فجعل يسلخه وهو يقرأ القرآن، قال اليهودي: فأخذتني رقة عليه، فلما بلغت تلقاء قلبه طعنته بالسكين فمات رحمه الله, فكان يقال له الشهيد، وإليه ينسب بنو الشهيد من نابلس إلى اليوم" (١).

فما أكرم الثبات على الحق، وما أجمل العيش على السنة والموت عليها ولو أن يسلخ الجلد عن اللحم، ونحن لا نعجب مما فعل هذا الرافضي الخبيث قبحه الله، فمجرد أن يكون اسم النابلسي أبوبكر فهذا كاف في إثارة حفيظة هذا الرافضي الخبيث، فهو يكره أبابكر ومن يحب أبا بكررضي الله عنه.

تأملات وعبر وتقريرات حول نهاية الدولة الفاطمية:

إن من سنة الله في الخلق دفع الناس بعضهم ببعض، ولولا ذلك لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين.

فالدولة الفاطمية ملكت (٢٨٠) سنة وكسرا، ولكنهم صاروا كأمس الذاهب كأن لم يغنوا فيها، وكان أول من ملك منهم المهدي، وكان من (سلمية حدادًا اسمه عبيد وكان يهوديًّا فدخل بلاد المغرب وتسمى بعبد الله وادعى أنه شريف علوي فاطمي، وقال عن نفسه إنه المهدي ...

وآخر خلفائهم العاضد بن يوسف بن المستنصر بن الحاكم، قال عنه ابن كثير: " كانت سيرته مذمومة، وكان شيعيًّا خبيثًا، لو أمكنه قتل كل من قدر عليه من أهل السنة .. ".

ولما توفي وزال ملك الفاطميين استبشر الناس وأنشد العماد الكاتب:

توفي العاضد الدعي فما ... يفتح ذو بدعة بمصر فما

وعصر فرعونها انقضى وغدا ‍ ... يوسفها في الأمور متحكما

قد طفئت جمرة الغواة وقد داخ ‍ ... من الشرك كل ما اضطرما

وصار شمل الصلاح ملتئما ‍ ... بها وعقد السداد منتظما

لما غدا مشعر شار بني الـ ‍ ... عباس حقا والباطل اكتتما

وبات داعي التوحيد منتظرا ‍ ... ومن دعاة الشرك منتقما

وارتكس الجاهلون في ظلم ‍ ... لما أضاءت منابر العلما

وعاد بالمستضيء معتليا ‍ ... بناء حق بعد ما كان منهدما

أعيدت الدولة التي اضطهدت ‍ ... وانتصر الدين بعدما اهتضما

واهتز عطف الإسلام من جلل ‍ ... وافتر ثغر الإسلام وابتسما

رواستبشرت أوجه الهدى فرحا ... فليقرع الكفر سنته ندما (٢)

"وقد كان الفاطميون أغنى الخلفاء وأكثرهم مالا، وكانوا من أغنى الخلفاء وأجبرهم وأظلمهم وأنجس الملوك سيرة، وأخبثهم سريرة، ظهرت في دولتهم البدع والمنكرات، وكثر أهل الفساد، وقل عندهم الصالحون من العلماء والعباد، وكثر بأرض الشام النصرانية والدرزية والحشيشية، وتغلب الفرنج على سواحل الشام بأكمله، حتى أخذوا القدس ونابلس، وعجلون والغور وبلاد غزة وعسقلان وكرك الشوبك وطبرية وبانياس وصور وعكا وصيدا وبيروت وصفد وطرابلس وأنطاكية، وجميع ما والى ذلك إلى بلاد إياس وسيس واستحوذوا على بلاد آمد والرها ورأس العين ... وبلاد شتى، وقتلوا من المسلمين خلقًا وأمما لا يحصيهم إلا الله، وسبوا ذراري المسلمين من النساء والولدان مما لا يحد ولا يوصف وكل هذه البلاد كانت الصحابة قد فتحوها، وصارت دار إسلام، وأخذوا من أموال المسلمين ما لا يحد ولا يوصف ... وحين زالت أيامهم - يعني الفاطميين - وانتقض إبرامهم أعاد الله عز وجل هذه البلاد كلها إلى المسلمين بحوله وقوته وجوده ورحمته" (٣).


(١) ((البداية والنهاية)) (١١/ ٢٨٤).
(٢) ((البداية والنهاية)) (١٢/ ٢٦٥).
(٣) ((البداية والنهاية)) (١٢/ ٢٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>