للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما وصلت عساكر الفرنجة إلى مصر انضمت جيوش شاور والمصريين إليها والتقت بجيوش نور الدين بمكان يعرف بالبابني "قرب المنيا" فكان النصر حليف عسكر نور الدين محمود، ثم سار بعدها إلى الإسكندرية، وكانت الجيوش الصليبية تحاصرها من البحر وجيوش شاور وفرنجة بيت المقدس من البر، ولم يك لدى صلاح الدين - القائد من قبل نور الدين - من الجند ما يمكنه من رفع الحصار عنها، فاستنجد بأسد الدين شيركوه فسارع إلى نجدته، ولم يلبث الفرنجة وشيعة شاور إلى أن طلبوا الصلح من صلاح الدين فأجابهم إليه شريطة ألا يقيم الفرنجة في البلاد المصرية، غير أن الفرنجة لم تغادر مصر عملاً بهذا الصلح بل عقدت مع شاور معاهدة كان من أهم شروطها وجود حامية صليبية بالقاهرة، وتكون أبوابها بيد فرسانهم، وما أن ذهب الفرنجة في هذا العام حتى عادوا مرة أخرى عام ٥٦٤هـ، حتى دخل صلاح الدين الأيوبي مصر ونجح بعد سنوات من إنهاء الدولة الفاطمية الشيعية، غير أن هذا الأمر لم يرض فلول النظام الشيعي في مصر الذين حاولوا اغتيال "صلاح الدين" أكثر من مرة ولم يجدوا حرجاً في الاستعانة بالصليبيين للقضاء على "صلاح الدين"، ونذكر هنا بعضاً من تلك المحاولات.- كانت أولى هذه المؤامرات في عام ٥٦٤هـ عندما شغل "صلاح الدين" منصب الوزارة للخليفة الفاطمي العاضد، وكان يقود هذه المؤامرة مؤتمن الخليفة العاضد "المسؤول الأول في القصر" واعتمدت الخطة على قدوم الصليبين لغزو دمياط وإذا ما خرج "صلاح الدين" لمقاتلتهم انقلب عليه مؤتمن الخليفة ومن معه من بقايا الشيعة، غير أن الله سلم وانكشفت هذه المؤامرة (١).- ثانية هذه المحاولات كانت في عام ٥٦٩هـ بعد وفاة العاضد حيث تجمعت مجموعة من بقايا الشيعة ووضعوا خطة مماثلة للخطة الأولى عبر الاستعانة بالصليبيين، غير أن هذه الخطة فشلت كسابقتها، يقول المقريزي: "وفيها اجتمع طائفة من أهل القاهرة على إقامة رجل من أولاد العاضد، وأن يفتكوا بصلاح الدين، وكاتبوا الفرنج، منهم القاضي المفضل ضياء الدين نصر الله بن عبد الله بن كامل القاضي، والشريف الجليس، ونجاح الحمامي، والفقيه عمارة بن علي اليماني، وعبد الصمد الكاتب، والقاضي الأعز سلامة العوريس متولي ديوان النظر ثم القضاء، وداعي الدعاة عبد الجبار بن إسماعيل بن عبد القوي والواعظ زين الدين بن نجا، فوشى ابن نجا بخبرهم إلى السلطان .. فأحيط بهم وشنقوا في يوم السبت ثاني شهر رمضان بين القصرين" (٢).- وشهد عام ٥٧٠هـ المحاولة الثالثة والتي قادها أحد قادة الشيعة من أجل القضاء على صلاح الدين وإزالة الحكم السني، يقول المقريزي: "وفيها جمع كنز الدولة والي أسوان العرب والسودان وقصد القاهرة يريد إعادة الدولة الفاطمية، وأنفق في جموعه أموالاً جزيلة، وانضم إليه جماعة ممن يهوى هواهم، فقتل عدة من أمراء صلاح الدين، وخرج في قرية طود رجل يعرف بعباس بن شادي، وأخذ بلاد قوص، وانتهب أموالها؛ فجهز السلطان صلاح الدين أخاه الملك العادل في جيش كثيف ومعه الخطير مهذب بن مماتي فسار وأوقع بشادي وبدد جموعه وقتله؛ ثم سار فلقيه كنز الدولة بناحية طود، وكانت بينهما حروب فر منها كنز الدولة بعدما قتل أكثر عسكره، ثم قتل كنز الدولة في سابع صفر، وقدم العادل إلى القاهرة" (٣).


(١) راجع في تفاصيل هذه المحاولة ((الكامل)) (٩/ ١٠٣)، و ((البداية والنهاية)) (١٢/ ٢٥٧).
(٢) ((السلوك لمعرفة دول الملوك)) (١/ ٥٠ - ٥١)، وراجع ((الكامل)) (٩/ ١٢٣).
(٣) ((السلوك لمعرفة دول الملوك)) (١/ ٥٧، ٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>