للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما قدمه "صلاح الدين الأيوبي" لفلسطين أمر لا ينكره إلا جاهل أو مكابر، وما كنا نتصور أن يأتي يوم ندافع فيه عن "صلاح الدين" ذلك البطل الذي صار رمز الأمة غير أن سعي الشيعة الدؤوب لهدم رموز الأمة لم يترك لأحد مقالاً، غير أنه بدلاً من الدفاع عن "صلاح الدين" نتساءل ما قدمه الشيعة لفلسطين، لقد سقطت فلسطين إبان وجود الدولة الفاطمية في مصر وكانت أقوى دولة موجودة في ذلك الوقت على الساحة العربية، فماذا فعلت لفلسطين. ذكر ابن الأثير في كتابه ((الكامل)) في حوادث عام ٤٩١هـ أنه لما بدأ الصليبيون في التوجه نحو بيت المقدس، ولما رأى "أصحاب مصر من العلويين قوة الدولة السلجوقية، وتمكنها واستيلاءها على بلاد الشام إلى غزة، ولم يبق بينهم وبين مصر ولاية أخرى تمنعهم، خافوا، وأرسلوا إلى الفرنج يدعونهم إلى الخروج إلى الشام ليملكوه، ويكونوا بينهم وبين المسلمين" (١).هكذا كان موقف الفاطميين الاتفاق على تسليم بلاد المسلمين للصليبين، غير أنه لما سقط بيت المقدس في أيدي الصليبين وما تبع ذلك من دوي هائل في الشعوب المسلمة، كان لابد من الدولة الفاطمية من عمل تحفظ به ماء وجهها، وقد كان، حيث يذكر ابن الأثير في حوادث عام ٤٩٢هـ "في هذه السنة، في رمضان، كانت وقعة بين العساكر المصرية والفرنج، وسببها أن المصريين لما بلغهم ما تم على أهل القدس، جمع الأفضل أمير الجيوش العساكر، وحشد، وسار إلى عسقلان، وأرسل إلى الفرنج ينكر عليهم ما فعلوا، ويتهددهم - شجب واستنكار ولا مزيد - فأعادوا الرسول بالجواب ورحلوا على أثره، وطلعوا على المصريين، عقيب وصول الرسول، ولم يكن عند المصريين خبر من وصولهم، ولا من حركتهم، ولم يكونوا على أهبة القتال، فنادوا إلى ركوب خيالهم، ولبسوا أسلحتهم، وأعجلهم الفرنج، فهزموهم، وقتلوا منهم من قتل ... " (٢)، وهكذا نرى أن ما فعله الفاطميون لا يعدو الاستعراض الإعلامي لذلك لم يعدوا للأمر عدته ولم يستعدوا لهذه الحرب استعداد من يرغب في التحرير والنصر، لذلك لم يكن غريباً أن تتسع الإمارات الصليبية في بلاد الشام على الرغم من قرب الدولة الفاطمية وقوتها في ذلك الوقت؛ يقول ابن كثير في البداية والنهاية: "وقد كان الفاطميون أغنى الخلفاء وأكثرهم مالا، وكانوا من أغنى الخلفاء وأجبرهم وأظلمهم وأنجس الملوك سيرة، وأخبثهم سريرة، ظهرت في دولتهم البدع والمنكرات، وكثر أهل الفساد، وقل عندهم الصالحون من العلماء والعباد، وكثر بأرض الشام النصيرية والدرزية والحشيشية، وتغلب الفرنج على سواحل الشام بأكمله، حتى أخذوا القدس ونابلس، وعجلون والغور وبلاد غزة وعسقلان وكرك الشوبك وطبرية وبانياس وصور وعكا وصيدا وبيروت وصفد وطرابلس وأنطاكية، وجميع ما والي ذلك إلى بلاد إياس وسيس واستحوذوا على بلاد آمد والرها ورأس العين ... وبلاد شتى، وقتلوا من المسلمين خلقاً وأمما لا يحصيهم إلا الله، وسبوا ذراري المسلمين من النساء والولدان مما لا يحد ولا يوصف وكل هذه البلاد كانت الصحابة قد فتحوها، وصارت دار إسلام، وأخذوا من أموال المسلمين ما لا يحد ولا يوصف ... وحين زالت أيامهم - يعني الفاطميين - وانتقض إبرامهم أعاد الله عز وجل هذه البلاد كلها إلى المسلمين بحوله وقوته وجوده ورحمته" (٣).

وقد أشرنا في المحور الأول إلى محاولات الفاطميين الاستعانة بالصليبين للقضاء على صلاح الدين الأيوبي والذي كان يعمل في ذلك الوقت على توحيد الجبهة المسلمة من أجل تحرير فلسطين.


(١) ((الكامل في التاريخ)) (٨/ ١٨٦).
(٢) ((الكامل)) (٨/ ١٩١).
(٣) ((البداية والنهاية)) (١٢/ ٢٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>