للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنهم من يقول: ما صح معناه في اللغة، وكان معناه ثابتا له لم يحرم تسميته به، فإن الشارع (لم) يحرم علينا ذلك فيكون عفوا. والصواب القول الثالث: وهو أن يفرق بين أن يدعى بالأسماء، أو يخبر بها عنه؛ فإذا دعى لم يدع (إلا) بالأسماء الحسنى كما قال تعالى: وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ [الأعراف: ١٨٠]، وأما الإخبار عنه فهو بحسب الحاجة، فإذا احتيج في تفهيم الغير المراد إلى أن يترجم أسماؤه بغير العربية، أو يعبر باسم له معنى صحيح لم يكن ذلك محرما" (١)، ويقول في موضع آخر بعد ترجيح ما ذكره في القول الثالث قال: "وإما إذا احتيج إلى الإخبار عنه مثل أن يقال: ليس هو بقديم ولا موجود، ولا ذات قائمة بنفسها، ونحو ذلك، فقيل في تحقيق الإثبات: بل هو سبحانه قديم، موجود، وهو ذات قائمة بنفسها، وقيل: "ليس بشيء" فقيل: بل هو شيء. فهذا سائغ وإن كان لا يدعى بمثل هذه الأسماء التي ليس فيها ما يدل على المدح كقول القائل: يا شيء ... " (٢).

فهذا التفريق الدقيق الذي ذكره شيخ الإسلام بين الدعاء والإخبار هو الذي يفصل في الأمر، والمتكلمون إنما ذكروا بعض الأسماء التي لم ترد بسبب خوضهم في علوم الكلام واصطلاحات الفلاسفة فاضطروا إلى مجاراتهم حتى لا ينفوا عن الله ما هو ثابت له لأجل أنه اصطلاح حادث.

٢ - من المسائل المشهورة في هذا الباب مسألة: هل الاسم هو المسمى أو غيره، والمعروف أن الجهمية حرصوا على تقرير أن الاسم غير المسمى ليسلم لهم مذهبهم الفاسد القائل بخلق القرآن. فقابلهم البعض فقالوا: بل الاسم هو المسمى، حتى لا يقال: إن أسماء الله غير الله، وهذا قول بعض المنتسبين إلى السنة.

وقد ذكر شيخ الإسلام عدة أقوال في هذه المسألة، وهي:١ - أن الاسم غير المسمى، وهذا قول الجهمية، الذين يقولون: إن أسماء الله غير الله، وما كان غيره فهو مخلوق (٣).٢ - التوقف والإمساك عن إطلاق مثل هذه العبارات نفيا وإثباتا، وأن كلا من الإطلاقين بدعة، وقد ذكر هذا الخلال عن إبراهيم الحربي وغيره، وكما ذكره أبو جعفر الطبري في صريح السنة (٤)، وعده من الحماقات.٣ - أن الاسم هو المسمى، وهذا قول كثير من المنتسبين إلى السنة، مثل أبي بكر عبدالعزيز، وأبي القاسم الطبري، واللالكائي (٥)، وأبي محمد البغوي في شرح السنة (٦). وغيرهم. وهو أحد قولي أصحاب أبي الحسن الأشعري (٧)، اختاره أبو بكر بن فورك وغيره.

٤ - والقول الثاني – وهو المشهور عن أبي الحسن الأشعري – أن الأسماء ثلاثة أقسام:

تارة يكون الاسم هو المسمى، كاسم الموجود.


(١) ((الجواب الصحيح)) (٣/ ٢٠٣) – ط المدني.
(٢) ((مجموع الفتاوى)) (٩/ ٣٠١)، وانظر: ((درء التعارض)) (١/ ٢٩٧ - ٢٩٨)، و ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (١/ ١٨٢).
(٣) انظر: ((المقالات)) للأشعري (ص: ١٧٢).
(٤) (ص: ٢٦ - ٢٧)، ونسب الأشعري هذا القول إلى بعض أصحاب ابن كلاب، ((المقالات)) (ص: ١٧٢).
(٥) ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة)) (٢/ ٢٠٤) وما بعدها.
(٦) (٥/ ٢٩).
(٧) ذكر الأشعري عن أهل الحديث أنهم يقولون: إن أسماء الله لا يقال هي غيره، وأنهم يقولون: أسماء الله هي الله. ((المقالات)) (ص: ١٧٢، ٢٩٠، ٢٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>