فأجاب: الحمد الله، ليس هذا على الصواب، بل هذا ضال مفتر كاذب باتفاق سلف الأمة وأئمتها، بل هو كافر يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وإذا قال لا أكذب بلفظ القرآن وهو قوله " وكلم الله موسى تكليماً " بل أقر بأن هذا اللفظ حق لكن فإن هؤلاء هم الجهمية الذين اتفق السلف والأئمة على أنهم من شر أهل الأهواء والبدع حتى أخرجهم كثير من الأئمة عن الثنتين والسبعين فرقة.
وأول من قال هذه المقالة في الإسلام كان يقال له الجعد بن درهم فضحى به خالد بن عبد الله القسري يوم أضحى، فإنه خطب الناس فقال في خطبته: ضحوا أيها الناس، تقبل الله ضحاياكم فإني مضحٍ بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليماً، تعالى الله عما يقول الجعد علواً كبيراً. ثم نزل فذبحه. وكان ذلك في زمن التابعين فشكروا ذلك، وأخذ هذه المقالة عنه جهم بن صفوان وقتله بخراسان سلمة بن أحور، وإليه نسبت هذه المقالة التي تسمى مقالة الجهمية، وهي نفي صفات الله تعالى، فإنهم يقولون: إن الله لا يرى في الآخرة ولا يكلم عباده، وأنه ليس له علم ولا حياة ولا قدرة ونحو ذلك من الصفات، ويقولون القرآن مخلوق.
ووافق الجهم على ذلك المعتزلة أصحاب عمرو بن عبيد وضموا إليها بدعاً أخرى في القدر وغيره، لكن المعتزلة يقولون أن الله كلم موسى حقيقة وتكلم حقيقة، لكن حقيقة ذلك عندهم أنه خلق كلاماً في غيره إما في شجرة وإما في هواء وإما في غير ذلك من غير أن يقوم بذات الله عندهم كلام ولا علم ولا قدرة ولا رحمة ولا مشيئة ولا حياة ولا شيء من الصفات.
والجهمية تارة يبوحون بحقيقة القول، فيقولون: أن الله لم يكلم موسى تكليماً ولا يتكلم، وتارة لا يظهرون هذا اللفظ لما فيه من الشناعة المخالفة لدين الإسلام واليهود والنصارى، فيقرون باللفظ ولكن يقرنونه بأنه خلق في غيره كلاماً.
وأئمة الدين كلهم متفقون على ما جاء به الكتاب والسنة واتفق عليه سلف الأمة من أن الله كلم موسى تكليماً وأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأن المؤمنين يرون ربهم في الآخرة كما تواترت به الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وأن لله علماً وقدرة ونحو ذلك.