وقال الله تعالى: قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد [الإخلاص:١ - ٤] فكيف يكون القرآن مخلوقا وأسماء الله في القرآن؟ هذا يوجب أن تكون أسماء الله مخلوقة ولو كانت أسماؤه مخلوقة لكانت وحدانيته مخلوقة وكذلك علمه وقدرته. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا
دليل آخر:
وقد قال الله تعالى: تبارك اسم ربك [الرحمن:٧٨] ولا يقال لمخلوق " تبارك " فدل هذا على أن أسماء الله غير مخلوقة وقال: ويبقى وجه ربك [الرحمن:٢٧] فكما لا يجوز أن يكون وجه ربنا مخلوقا فكذلك لا يجوز أن تكون أسماؤه مخلوقة
دليل آخر:
وقد قال الله تعالى: شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط [آل عمران:١٨] ولا بد أن يكون شهد بهذه الشهادة وسمعها من نفسه لأنه إن كان سمعها من مخلوق فليست شهادة له وإذا كانت شهادة له وقد شهد بها فلا يخلو أن يكون شهد بها قبل كون المخلوقات أو بعد كون المخلوقات
فإن كان شهد بها بعد كون المخلوقات فلم يسبق شهادته لنفسه بألوهية الخلق وكيف يكون ذلك كذلك؟ وهذا يوجب أن التوحيد لم يكن يشهد به شاهد قبل الخلق ولو استحالت الشهادة بالوحدانية قبل كون الخلق لاستحال إثبات التوحيد ووجوده وأن يكون واحدا قبل الخلق لأن ما يستحيل الشهادة عليه فمستحيل
وإن كانت شهادته لنفسه قبل الخلق بالتوحيد فقد بطل أن يكون كلام الله تعالى مخلوقا لأن كلام الله شهادته.
دليل آخر:
ومما يدل عليه بطلان قول الجهمية وأن القرآن كلام الله غير مخلوق: أن أسماء الله من القرآن وقد قال الله سبحانه: سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى [الأعلى:١ - ٢] ولا يجوز أن يكون اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى مخلوقا كما لا يجوز أن يكون جد ربنا [الجن:٣] مخلوقا قال الله تعالى في سورة الجن: وأنه تعالى جد ربنا [الجن:٣] وكما لا يجوز أن تكون عظمته مخلوقة كذلك لا يجوز أن يكون كلامه مخلوقا
دليل آخر:
وقد قال الله تعالى: وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء [الشورى:٥١] فلو كان كلام الله لا يوجد إلا مخلوقا في شيء مخلوق لم يكن لاشتراط هذه الوجوه معنى لأن الكلام قد سمعه جميع الخلق ووجدوه - بزعم الجهمية - مخلوقا في غير الله تعالى وهذا يوجب إسقاط مرتبة النبيين صلوات الله عليهم أجمعين
ويجب عليهم إذا زعموا أن كلام الله لموسى خلقه في شجرة أن يكون من سمع كلام الله عز وجل من ملك أو من نبي أتى به من عند الله أفضل مرتبة من سماع الكلام من موسى لأنهم سمعوه من نبي ولم يسمعه موسى من الله عز وجل وإنما سمعه من شجرة وأن يزعموا أن اليهودي إذا سمع كلام الله من النبي عليه الصلاة والسلام أفضل مرتبة في هذا المعنى من موسى صلى الله عليه وسلم لأن اليهودي سمعه من نبي من أنبياء الله وموسى سمعه مخلوقا في شجرة ولو كان مخلوقا في شجرة لم يكن مكلما لموسى من وراء حجاب لأن من حضر الشجرة من الجن والإنس قد سمعوا الكلام من ذلك المكان وكان سبيل موسى وغيره في ذلك سواء في أنه ليس كلام الله له من وراء حجاب
المصدر:الإبانة للأشعري - ١/ ٧٠
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في رجل قال: إن الله لم يكلم موسى تكليماً، وإنما خلق الكلام والصوت في الشجرة وموسى عليه السلام سمع من الشجرة لا من الله، وأن الله عز وجل لم يكلم جبريل بالقرآن وإنما أخذه من اللوح المحفوظ، فهل هو على الصواب أم لا؟