للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد جاء في السنة النبوية ما يؤكد وجودهما الآن كما جاء ما يؤكد بقاءهما أبدا – كما تقدم. ومن الأحاديث التي تؤكد وجودهما الآن ما جاء في حديث الإسراء والمعراج قوله صلى الله عليه وسلم: ((ثم انطلق بي جبريل حتى أتى سدرة المنتهى. فغشيها ألوان لا أدري ما هي قال: ثم دخلت الجنة فإذا هي جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك)) (١).وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، يقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة)) (٢).وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بأنه: رأى الجنة وتناول منها عنقودا، وقال لهم ((ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا)) (٣).

إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة التي تؤكد وجودهما الآن، إضافة إلى ما جاء في القرآن الكريم، ولكن أهل البدع لا ينظرون إلى الحق إلا من زاوية هواهم، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

المصدر:فرق معاصرة لغالب عواجي ٣/ ١١٥٣ - ١١٥٧

٤ - ومنها نفي أن يكون الله متكلماً بكلام يليق بجلاله

قال الأشعري: وزعمت الجهمية - كما زعمت النصارى - أن كلمة الله تعالى حواها بطن مريم رضي الله عنها وزادت الجهمية عليهم فزعمت أن كلام الله مخلوق حل في شجرة وكانت الشجرة حاوية له فلزمهم أن تكون الشجرة بذلك الكلام متكلمة ووجب عليهم أن مخلوقا من المخلوقين كلم موسى صلى الله عليه وسلم وأن الشجرة قالت: يا موسى إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني فلو كان كلام الله مخلوقا في شجرة لكان المخلوق قال: يا موسى إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وقد قال تعالى: ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين [السجدة:١٣] وكلام الله من الله تعالى فلا يجوز أن يكون كلامه الذي هو منه مخلوقا في شجرة مخلوقة كما لا يجوز أن يكون علمه الذي هو منه مخلوقا في غيره تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. (٤)

وقال أيضا: واعلموا - رحمكم الله - أن قول الجهمية: " إن كلام الله مخلوق " يلزمهم به أن يكون الله تعالى لم يزل كالأصنام التي لا تنطق ولا تتكلم لو كان لم يزل غير متكلم لأن الله تعالى يخبر عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه لما قالوا له: أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون [الأنبياء:٦٢ - ٦٣] فاحتج عليهم بأن الأصنام إذا لم تكن ناطقة متكلمة لم تكن آلهة وأن الإله لا يكون غير ناطق ولا متكلم فلما كانت الأصنام التي لا يستحيل أن يحييها الله وينطقها لا تكون آلهة فكيف يجوز أن يكون من يستحيل عليه الكلام في قدمه إلها؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. (٥)

وإذا لم يجز أن يكون الله سبحانه وتعالى في قدمه بمرتبة دون مرتبة الأصنام التي لا تنطق فقد وجب أن يكون الله لم يزل متكلما

دليل آخر:

وقد قال الله تعالى مخبرا عن نفسه أنه يقول: لمن الملك اليوم [غافر:١٦] وجاءت الرواية أنه يقول هذا القول ولا يرد عليه أحد شيئا فيقول: لله الواحد القهار [غافر:١٦] فإذا كان الله قائلا مع فناء الأشياء إذ لا إنسان ولا ملك ولا حي ولا جان ولا شجر ولا مدر فقد صح أن كلام الله خارج عن الخلق لأنه يوجد ولا شيء من المخلوقات موجود

دليل آخر:

وقد قال الله تعالى: وكلم الله موسى تكليما [النساء:١٦٤] والتكليم هو المشافهة بالكلام ولا يجوز أن يكون كلام المتكلم حالا في غيره مخلوقا في شيء سواه كما لا يجوز ذلك في العلم.

دليل آخر:


(١) رواه البخاري (٣٤٩) ومسلم (١٦٣)
(٢) رواه البخاري (١٣٧٩) ومسلم (٢٨٦٦)
(٣) رواه البخاري (٧٤٨) ومسلم (٩٠٧)
(٤) ((الإبانة)) (١/ ٦٨)
(٥) ((الإبانة)) (١/ ٧٢)

<<  <  ج: ص:  >  >>