للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال وكيع بن الجراح: من زعم أن القرآن مخلوق فقد زعم أن شيئاً من الله مخلوق، فقيل له: من أين قلت هذا؟ قال: لأن الله يقول ولكن حق القول مني [السجدة:١٣] ولا يكون من الله شيء مخلوق، وهذا القول قاله غير واحد من السلف. وقال أحمد بن حنبل: كلام الله من الله ليس ببائن منه، وهذا معنى قول السلف القرآن كلام الله منه بدأ ومنه خرج وإليه يعود كما في الحديث الذي رواه أحمد وغيره عن جبير بن نفير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنكم لن ترجعوا إلى الله بشيء أفضل مما خرج منه)) (١) يعني القرآن. وقد روي عن أبي أمامة مرفوعاً. وقال أبو بكر الصديق لأصحاب مسيلمة الكذاب، لما سمع قرآن مسيلمة: (ويحكم أين يذهب بعقولكم؟ إن هذا كلاماً لم يخرج من إلٍ) (٢) أي من رب.

وليس معنى قول السلف والأئمة: أنه منه خرج ومنه بدأ، أنه فارق ذاته وحل بغيره فإن كلام المخلوق إذا تكلم به لا يفارق ذاته ويحل بغيره، فكيف يكون كلام الله؟ قال تعالى: كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً [الكهف:٥] فقد أخبر أن الكلمة تخرج من أفواههم ومع هذا فلم تفارق ذاتهم. وأيضاً فالصفة لا تفارق الموصوف وتحل بغيره، لا صفة الخالق ولا صفة المخلوق، والناس إذا سمعوا كلام النبي صلى الله عليه وسلم ثم بلغوه عنه كان الكلام الذي بلغوه كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بلغوه بحركاتهم وأصواتهم فالقرآن أولى بذلك، فالكلام كلام البارئ والصوت صوت القارئ قال تعالى: وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله [التوبة:٦]. وقال صلى الله عليه وسلم: ((زينوا القرآن بأصواتكم)) (٣).

ولكن مقصود السلف الرد على هؤلاء الجهمية فإنهم زعموا أن القرآن خلقه الله في غيره فيكون قد ابتدأ وخرج من ذلك المحل الذي خلق فيه لا من الله، كما يقولون كلامه لموسى خرج من الشجرة، فبين السلف والأئمة أن القرآن من الله بدأ وخرج وذكروا قوله وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي [السجدة:١٣] فأخبر أن القول منه لا من غيره من المخلوقات.


(١) رواه الترمذي (٢٩١٢) والحاكم (٢/ ٤٧٩) (٣٦٥١) وأحمد في ((الزهد)) (٣٥) وقال الترمذي مرسل، وضعفه الألباني.
(٢) أورده ابن جرير الطبري في تفسيره بدون إسناد (٢/ ٣٩١)
(٣) رواه البخاري في صحيحه تعليقا، ورواه في ((خلق أفعال العباد)) (ص١٧٧) ورواه أبو داود (١٤٦٨) والنسائي (١٠١٥) وابن ماجه (١٣٤٢) وأحمد (٤/ ٢٨٣) (١٨٥١٧) وابن خزيمة (١٥٥١) وابن حبان (٧٤٩) والحاكم (١/ ٧٦١) (٢٠٩٨) والحديث سكت عنه أبو داود وصححه الألباني.

<<  <  ج: ص:  >  >>