للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمصدر الثاني من مصادر هذا الدين هو السنة النبوية، لذا فإن الناظر في كتب السنن وفى شمائل النبي صلى الله عليه وسلم يجدها مليئة بالدعوة إلى الزهد وإليك بعض المختارات من بستان النبوة الذي يعج ويحفل بوصف الدنيا ودنوها لطالبيها وأنها مزرعة الآخرة ولا تغنى عن الآخرة شيءاً. قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الدنيا حلوة خضرة، وان الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون؟ فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)) (١).وقال: ((فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم)) (٢).وقال مبيناً تعاسة من تمسك بها وشغل نفسه بها: ((تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة إن أعطي رضي وان لم يعط لم يرض)) (٣). وقال: ((لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء)) (٤).وكان يقول: ((ألا إن الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ذكر الله تعالى وما والاه وعالم ومتعلم)) (٥) ولقد كان محمد صلى الله عليه وسلم أزهد الناس في الدنيا، كيف لا وقد كانت تأتيه مرغمة فيردها إلى من هو دونه وينفقها، وقد قال: ((لو كان لي مثل أحد ذهباً لسرني أن لا تمر على ثلاث ليال وعندي منه شيء أرصده لدين)) (٦).ويقول النعمان بن بشير رضي الله عنه يصف حال النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر ذلك عنه قال: ((لقد رأيت نبيكم صلى الله عليه وسلم، وما يجد من الدقل (رديء التمر) ما يملأ به بطنه)) (٧).وفى حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نام على حصير فأثرّ في جنبه فقال له أصحابه رضى الله عنهم: يا رسول الله لو اتخذنا لك وطاءً. فقال: " ما لى وللدنيا؟ ما أنا في الدنيا إلاّ كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها)) (٨) وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من طعام البر ثلاث ليالٍ حتى قبض)) (٩). وفي رواية أخرى ((ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض)) (١٠)((ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته ديناراً ولا درهماً، ولا عبداً ولا أمةً ولا شيئا إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها وسلاحه، وأرضاً جعلها لابن السبيل صدقة)) (١١).

هذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أمرنا أن نتأسى به ونقتفي أثره لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ [الممتحنة:٦].

٣ - آثار الصحابة والتابعين:


(١) رواه مسلم (٢٧٤٢)
(٢) رواه البخاري (٣١٥٨) ومسلم (٢٩٦١)
(٣) رواه البخاري (٢٨٨٦)
(٤) رواه الترمذي (٢٣٢٠) والحاكم (٤/ ٣٤١) (٧٨٤٧) والطبراني (٥٨٥٠) قال الترمذي ((صحيح غريب)) من هذا الوجه، وقال الحاكم صحيح الإسناد، وتعقبه الذهبي يقوله زكريا بن منظور ضعفوه، وصححه الألباني بمجموع طرقه كما في ((الصحيحة)) (٦٨٦)
(٥) رواه الترمذي (٢٣٢٢) وابن ماجه (٤١١٢) من حديث أبي هريرة وقال الترمذي حسن غريب، وحسنه ابن القيم في ((عدة الصابرين)) (١/ ٢٦٠) والألباني في ((الصحيحة)) (٢٧٩٧)
(٦) رواه البخاري (٢٣٨٩)
(٧) رواه مسلم (٢٩٧٧)
(٨) رواه الترمذي (٢٣٧٧) وابن ماجه (٤١٠٩) وأحمد (١/ ٣٠١) (٢٧٤٤) وابن حبان (٦٣٥٢) والحاكم (٤/ ٣٤٤) (٧٨٥٨) قال الترمذي حسن صحيح وقال الحاكم صحيح على شرط البخاري، وقال الهيثمي في ((المجمع)) (١٠/ ٣٢٦) رجال أحمد رجال الصحيح غير هلال بن خباب وهو ثقة، وصححه الألباني
(٩) رواه البخاري (٥٤١٦) ومسلم (٢٩٧٠)
(١٠) رواه مسلم (٢٩٧٠)
(١١) رواه البخاري (٢٧٣٩)

<<  <  ج: ص:  >  >>