عند الرجوع إلى أحوال الصحابة رضي الله عنهم والتابعين نرى فيهم التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم بترك متاع الدنيا وزخرفها.
فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين وليَّ الخلافة دفع كل ما له في بيت مال المسلمين، فلما سئل عن ذلك قال: كنت أتجر فيه فلما وليتموني شغلتوني عن التجارة وحين وليَّ الخلافة خرج إلى السوق ليعمل فقال له الصحابة رضي الله عنهم: نفرض لك ففرضوا له قوت رجل من المهاجرين ليس بأفضلهم ولا بأوكسهم، فكان له برداه للصيف والشتاء إن أخلقهما " أي قَدِمَا " وضعهما وأخذ مثلهما وظهره إذا سافر، ونفقته على أهله كما كان ينفق عليهما قبل أن يُستخلف، فقال أبو بكر رضي الله عنه قد رضيت.
وكان عمر رضي الله عنه على درب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر رضي الله عنه فحين فتحت عليه الدنيا كلمتاه عائشة وحفصة رضي الله عنهما في تغيير جبته التي كانت فيها اثنتا عشرة رقعة ويقدم له طعام يأكل منه وأضيافة، فأبا وقال إن له أسوة بصاحبيه فلا يجمع بين أُدمين إلا الملح والزيت، ولا أكل لحماً إلا في كل شهر ينقضي ما انقضى من القوم ولما قدم له ماء قد شيب بعسل فقال: إنه لطيِّب وقال: أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا [الأحقاف:٢٠]. فأخاف أن تكون حسناتنا عجلت لنا فلم يشربه ".
وفي البداية والنهاية لابن كثير أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه خرج بسيفه إلى السوق وقال: من يشتري مني سيفي هذا فلو كان عندي أربعة دراهم أشتري بها إزاراً ما بعته.
ورضي الله عن أبي الدرداء إذ يقول: والذي نفس أبي الدرداء بيده ما أحب أن لي اليوم حانوتاً على باب المسجد، لا يخطئني فيه صلاة، أربح فيه كل يوم أربعين ديناراً وأتصدق بها كلها في سبيل الله. قيل له: يا أبا الدرداء وما تكره في ذلك؟ قال: شدة الحساب.
والمتبع لقصص الصحابة في (الحلية)، و (كنز العمال)، و (البداية والنهاية)، وكتب السنن يجد الشيء الكثير من ذلك وكذلك قصص التابعين.
من أعلام التصوف السني:
١ - إبراهيم بن أدهم (١٩٩) بن منصور البلخي التميمي كنيته أبو اسحق، كان أبوه من ملوك خراسان وكان موسراً، وعاش مترفاً منعماً، وقد خرج إبراهيم بن أدهم رحمة الله عليه للصيد فسمع صوتاً يناديه فالتفت إليه فلم ير شيئا وتكرر ذلك معه، ثم قال له المنادى: ما لهذا خلقت ولا بذا أمرت فعزم أن لا يعصي الله تعالى بعد ذلك ورجع إلى بيته فترك فرسه وعمد إلى أحد رعاة أبيه فأخذ منه جبةً وكساءً وتخل عن ثيابه وترك المتع.
خرج إلى العراق وإلى الشام طلباً للعمل وللرزق الحلال وتجول فيها وكان يأكل من عمل يده، كان يعمل بالحصاد وجني الثمار وحفظ البساتين والحمل والطحن، وكان إذا أنهي عمله قبل أن ينام ينادي في الناس من يريد أن يطحن؟ فيأتيه الناس فيطحن لهم بلا كراء.
أخذ عن كثير من علماء العراق والحجاز، وكان قد تفقه، وكان يشترك مع الغزاة في قتال الروم. وكان يتكلم الفصحة ولا يلحن في العربية، وكان إذا وقف سفيان الثوري في مجلسه يعظ أوجز مخافة الزلل.
كان يلبس في الشتاء فرواً لا قميص تحته، وفى الصيف لا يتعمم ولا يحتذي، وكان يصوم في السفر والإقامة.
ولما سئل كم لك في الشام؟ قال: أربعة وعشرون عاماً، ولما سئل ما جاء بك إليها قال: لأشبع من خبز الحلال.
عمل في أحد البساتين سنين، فجاءه صاحب البستان وطلب منه رماناً حلواً فجاءه به فوجده حامضاً فقال له: تأكل فاكهتنا سنين ولا تميز الحلو من الحامض. فأقسم أنه ما أكل فاكهتهم ولا يميز الحلو من الحامض.