وجاءه عبد لأبيه يحمل له عشرة آلاف درهم، ويخبره أن أباه قد مات في بلخ وخلف له مالاً كثيراً، فأعتق العبد ووهبه الدراهم ولم يعبأ بمال أبيه.
هذا هو إبراهيم بن أدهم الذي ترك الدنيا ومتاعها طلباً لبحبوحة الجنة وقد توفي رحمه اللهسنة ١٦١هـ -٧٧٨م.
وأخباره كثيرة وفيها اختلاف في مسكنه ونسبته ووفاته.
٢ - عبد الله بن المبارك (٢٠٠):
هو عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي بالولاء التميمي المروزي، يكنى بأبي عبد الرحمن وهو شيخ الإسلام، كان من الربانيين في العلم الموصوفين بالحفظ المذكورين بالزهد وقد جمع الحديث والفقه والعربية، وأيام الناس والشجاعة والتجارة، والمحبة عند الفرق، كان من سكان خراسان ولد سنة ١١٨ هـ، سمع سفيان الثوري وشعبه والأوزاعي والليث بن سعد، أفنى عمره في الأسفار حاجاً وتاجراً ومجاهداً، كان سخياً، وكان يقضي الدين عن المدينين، ويسعى في فك المحبوس، له كتاب في الجهاد وهو أول من صنف فيه.
مات بهيت على الفرات منصرفاً من غزو الروم سنة ١٨١هـ.
قال الأوزاعى: لو رأيت ابن المبارك لقرت عينك.
وقال سفيان الثوري: لو جهدت جهدي أن أكون في السنة ثلاثة أيام على ما عليه ابن المبارك لم أقدر.
قال ابن المبارك: زيادة دنياكم بنقصان آخرتكم، وزيادة آخرتكم بنقصان دنياكم. وكان يقول: أحب الصالحين ولست منهم، وأبغض الطالحين وأنا شرٌ منهم.
وقال: الصمت أزين للفتى من منطق في غير حينه، والصدق أجمل بالفتى في القول عندي من يمينه.
وسئل ابن المبارك مَنْ الناس؟ قال العلماء: فمن الملوك؟ قال: الزهاد. فمن سفلة الناس؟ قال: الذين يعيشون بدينهم.
٣ - الفضيل بن عياض (٢٠١):
الفضيل بن عياض التميمي من بني يربوع ولد بخراسان، قدم الكوفة وهو كبير كان ثقة ثبتاً فاضلاً عابداً ورعاً، وكان من شدة الخوف نحيفاً.
كان كثير الحديث وسمع الحديث من منصور بن المعتمر وغيره، وروى عنه ابن المبارك والشافعي وبشر الحافي وغيرهم. ثم تعبد وانتقل إلى مكة وكان لا يقبل هدايا الدولة.
وتوفى بمكة المكرمة سنة ١٨٧هـ في خلافة هارون الرشيد وكان ذلك يوم عاشوراء، وقد نيف على الثمانين عاماً. قال هارون الرشيد: ما رأيت في العلماء أهيب من مالك ولا أورع من الفضيل. وقال إبراهيم بن الأشعت: كان الفضيل إذا ذكر الله، أو
ذُكر عنده، أو سمع القرآن ظهر به من الخوف والحزن وفاضت عيناه وبكي حتى يرحمه من بحضرته. وقال: كنا إذا خرجنا مع الفضيل في جنازة يعظ ويذكر ويبكي كأنه يودع أصحابه ذاهب إلى الآخرة فإذا وصلنا المقبرة جلس كأنه بين الموتى.
قال عبد الله بن المبارك: إذا مات الفضيل ارتفع الحزن.
وللفضيل أقوال كثيرة في كتب التراجم منها:
" من جلس مع صاحب بدعة لم يعط الحكمة "
" ليس من عبد أُعطي شيئا من الدنيا إلا كان نقصاناً له من الدرجات في الجنة "
" ليست الدار دار إقامة وإنما أُهبط آدم إليها عقوبة "
" لو خيرت لاخترت أن أعيش كلباً وأموت كلباً ولا أرى يوم القيامة "
وكان رحمه الله يكثر من صلاة الليل فيلقى إليه حصير فإذا غلبته عيناه استلقى عليه ثم يفيق يصلي
٤ - معروف الكرخي (٢٠٢):
هو معروف بن فيروز " الفيرزان " الكرخى أبو محفوظ ولد في كرخ بغداد ونشأ فيها، كان أبواه نصرانيين فأسلماه إلى مؤدبهم فكان يقول له: قل ثالث ثلاثة فيقول: بل هو الواحد فيضربه معلمه ضرباً مبرحاً فهرب وأسلم على يد على بن موسى الكاظم. وكان أبواه يقولان ليته يرجع على أي دين فنتبعه فرجع إليهما مسلماً فأسلما. وكان مولى من موالي علي بن موسى الكاظم وكان يحجبه فكثر الزحام فضغطه الناس فتكسرت أضلاعه فمات ببغداد سنة ٢٠٠هـ.
لما حضرته الوفاة قيل له: أوصى. فقال: أوصى بقميصي إذا مت فتصدقوا به أريد أن أخرج منها عرياناً كما دخلتها.
وقبره ببغداد مشهور ويزار ويستشفع به ويتبرك به ويستسقى به " وهذا لا يصح " وكان رحمه الله مشهوراً بالصلاح مستجاب الدعوة حريصاً على الحق، ذات يوم مر بسقاء يقول رحم الله من يشرب وكان صائماً فشرب طمعاً ببركة دعائه. قال رجل لمعروف الكرخى: ما شكرت معروفي. فقال: وقع معروفك من غير محتسب عند غير شاكر. وقال معروف الكرخى: " طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب، وانتظار الشفاعة بلا سبب نوع من الغرور وارتجاء رحمة من لا يطاع جهل وحمق ".
المصدر:مفهوم التصوف وأنواعه في الميزان الشرعي لمحمود يوسف الشوبكي (مجلة الجامعة الإسلامية- المجلد العاشر) - ص ٥٠ - ٥٩