للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((انطلق ثلاثة رجال ممن كان قبلكم، فآواهم المبيت إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار.

فقالوا: والله لا ينجينا من هذه الصخرة إلا أن ندعوا الله بصالح أعمالنا.

فقال أحدهم: كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً، فعاقني طلبُ يوماً، فلم أرح عليهما حتى ناما، فحلبت لهما غبوقهما، فجئتهما به فوجدتهما نائمين، فتحرجت أن أوقظهما، وكرهت أن أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً، فقمت والقدح بيدي أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر فاستيقظا فشربا غبوقهما ..

اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فأفرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة انفراجاً لا يستطيعون الخروج منه.

وقال الثاني: " اللهم لقد كانت لي ابنة عم، كانت أحب الناس إلى، فراودتها عن نفسها فامتنعت، حتى ألمت بها سنة من السنين، فجاءتني فأعطيتها مائة وعشرين ديناراً على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت، حتى إذا قدرت عليها، قالت: لا يحل لك أن تفض الخاتم إلا بحقه، فتحرجتُ من الوقوع عليها وانصرفت عنها وهي أحب الناس إلى، وتركت المال الذي أعطيتها إياه.

اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج.

ثم قال الثالث: " اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيتهم أجورهم، غير رجل واحد منهم، ترك أجره وذهب، فثمرت أجره، فجاءني بعد حين، فقال يا عبد الله أدِّ إلى أجرتي، فقلت له: إن أجرتك هي كل ما ترى من الإبل والغنم والبقر والرقيق، فقال: يا عبد الله لا تستهزئ بي، فقلت: إني لا أستهزئُ بك، ورويت له القصة، فأخذ ذلك كله فاستاقه، ولم يترك منه شيءاً. اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فأفرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة فخرجوا من الغار يمشون)) (١) وهذا حديث صحيح.

وهذا الحديث يدل على صحة أعمالهم فيها وإن الله قبلها وقبل دعاءهم وتوسلهم بصالح أعمالهم.

النوع الثالث: التوسل بدعاء الصالحين:

وهو كأن يقع المسلم في ضيق شديد أو تحل به مصيبة كبيرة ويعلم من نفسه التفريط في جنب الله تعالى فيحب أن يتقرب إلى الله بسبب قوي، فيذهب إلى رجل حيث يعتقد فيه الصلاح والتقوى والعلم والفضل فيطلب منه أن يدعو له ربه أن يكشف عنه الضر ويفرج كربه. ومن ذلك توسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بدعاء العباس رضي الله عنه والاستسقاء به حيث قال: (اللهم إنّا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقينا، وإنّا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فيسقون) (٢).

والمراد أن عمر رضي الله عنه كان يقول للعباس رضي الله عنه قم فاستسق لنا ربك فيدعو لهم فيسقيهم الله تعالى.

ومن ذلك أن معاوية رضي الله عنه دعا يزيد بن الأسود يستسقي لهم فدعا لهم ودعا الناس فسقاهم الله. وأما الشفاعة فهي شبيهة بالتوسل وليس لأحد أن يشفع عند الله تعالى إلا بإذنه لقوله تعالى: مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ [البقرة:٢٥٥]، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن شفاعته بأن الله عز وجل يحد له حداً ويقول له اشفع في هؤلاء فيشفع (٣) وأما الشفاعة في الدنيا فيجوز للإنسان أن يشفع شفاعة حسنة. ولا تصح الشفاعة في ظلم ولا في حد من حدود الله لقوله صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد مستنكراً ((أتشفع في حد من حدود الله، والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها)) (٤).


(١) انظر ((صحيح البخاري)) (٢٢٧٢)
(٢) رواه البخاري (١٠١٠)
(٣) رواه البخاري (٤٤٧٦)
(٤) رواه البخاري (٣٤٧٥) ومسلم (١٦٨٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>