للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا ما قد ورد في كتاب الله، وما أكثره في هذا المعنى. وأما سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الأصل الثاني للشريعة الإسلامية فلم يرد فيها أن صاحبها صلى الله عليه وسلم قال لمن أراده أن يتبعه: بع واتبعني، بل قال لمن كان يريد أن يتصدق بأكثر ماله – وهو سعد بن أبي وقاص – وكان مريضا في حجة الوداع فعاوده الرسول صلى الله عليه وسلم وكان عازما على الصدقة بثلثي ماله، وفي رواية أخرى: بماله كله، فسأله الرسول صلى الله عليه وسلم عما ترك لولده – وفي رواية أنه لم يكن له إلا بنت -، فقال: ((الثلث والثلث كثير إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس)) (١).

وكذلك نهي كعب بن مالك عن التصدق بجميع ماله كما ورد في الصحيحين أن عبيد الله بن كعب بن مالك قال: سمعت كعب بن مالك يحدث بحديث توبته، قال فقلت: يا رسول الله، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله عز وجل وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أمسك بعض مالك فهو خير لك)) (٢).وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: ((نعم المال الصالح للرجل الصالح) (٣).

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها)) (٤).وفي الصحيحين أيضا عن أم سليم أنها قالت: يا رسول الله، خادمك أنس ادع له – فدعا له رسول الله عليه الصلاة والسلام – وفيما دعا له أن يكثر ماله: ((اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيهما)) (٥).وكان صلى الله عليه وسلم يردد كثيرا: ((ما نفعني مال كمال أبي بكر)) (٦)((إن من أمنَّ الناس علي في ماله وصحبته أبو بكر)) (٧).كما أمر أم هانئ باتخاذ الغنم حيث قال: ((اتخذي غنما، فإن فيها بركة)) (٨).

وادخر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهله قوت سنة كما ورد في الصحاح، واللفظ لمسلم عن عمر أنه قال: (كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب، فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، فكان ينفق على أهله نفقة سنة، وما بقي يجعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله)) – وفي رواية – ((كان يحبس منه قوت أهله لسنة)) (٩).

وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أحكام الزكاة والصدقات والإنفاق في سبيل الله، ولم تكن هذه الأحكام إلا لمن يملكه، ولو لم يكن ما كان لبيانها غرض ولا فائدة.

فهذه هي تعاليم الكتاب والسنة، وفي ضوء هذه نرى الصوفية والمتقدمين منهم بالأخص والمتأخرين أيضا بأيتهما يتمسكون؟

لكي يتضح الأمر عن مرجع تصوفهم ومعول أمرهم.


(١) رواه البخاري (٣٩٣٦) ومسلم (١٦٢٨)
(٢) رواه البخاري (٤٦٧٦) ومسلم (٢٧٦٩)
(٣) الحديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم رواه أحمد (٤/ ١٩٧) (١٧٧٩٨) وابن حبان (٣٢١٠) والبيهقي في الشعب (٢/ ٤٤٦) واللفظ له، وصححه الألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (١٤٠)
(٤) رواه البخاري (٧٣) واللفظ له، ومسلم (٨١٦)
(٥) رواه البخاري (٦٣٣٤) ومسلم (٢٤٨٠) بلفظ فيما أعطيته بدل فيهما، ولمسلم (٦٦٠) بلفظ بارك له فيه.
(٦) الحديث رواه بلفظ مقارب الترمذي (٣٦٦١) وابن ماجه (٩٤) وأحمد (٢/ ٢٥٣) (٧٤٣٩) وابن حبان (٦٨٥٨) قال الترمذي حسن غريب من هذا الوجه، وصححه الألباني
(٧) رواه البخاري (٣٦٥٤) ومسلم (٢٣٨٢)
(٨) رواه ابن ماجه (٢٣٠٤) واللفظ له والطبراني (٢١٠٦١) وصححه الألباني
(٩) رواه البخاري (٢٩٠٤) ومسلم (١٧٥٧) واللفظ له وارواية الثانية رواها أبو داود (٢٩٦٥) والنسائي (٤١٤٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>