للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذكر المحاسبي المتوفى ٢٤٣هـ عن صوفي قديم آخر إبراهيم بن أدهم أنه قال: إن كنت تحب أن تكون لله وليا، وهو لك محبا فدع الدنيا والآخرة، ولا ترغبن فيهما (١).

ونقل السهر وردي والسراج الطوسي والقشيري عن السري السقطي المتوفى سنة ٢٥١ هـ أنه قال: (لا يكن معك شيء تعطي منه أحد) (٢).وذكر القشيري عن واحد آخر من الصوفية الأوائل داود الطائي المتوفى ١٦٥ هـ أنه قال: (صم عن الدنيا، واجعل فطرك الموت، وفر من الناس كفرارك من السبع) (٣).

وسيد الطائفة الجنيد البغدادي يقول: (أحب للمريد المبتدئ أن لا يشغل قلبه بالتكسب، وإلا تغير حاله (٤).

ويقول أيضا: (ما أخذنا التصوف عن القيل والقال، لكن عن الجوع وترك الدنيا وقطع المألوفات والمستحسنات (٥).

ويبين ابن عجيبة الحسني حالة أهل التصوف في كتابه (إيقاظ الهمم): (وكان بعضهم إذا أصبح عنده شيء أصبح حزينا، وإذا لم يصبح عنده شيء أصبح فرحا مسرورا (٦).

وقال أيضا: (الفقر أساس التصوف، وبه قوامه (٧).

وروى مثل ذلك عن أبي محمد رويم المتوفى ٣٠٣ هـ أنه قال: (مبنى التصوف على الفقر) (٨).نعم، الفقر الذي تعوذ منه سيد الخلائق المدعم بالوحي، والمعصوم بعصمة الله وقال: ((اللهم إني أعوذ بك من الفقر)) (٩).

فجعلوا ذلك الفقر أساس التصوف وقوامه، وأقاموا بناءه عليه.

ونقل الطوسي عن الجنيد أنه سئل عن الزهد فقال: (الزهد هو تخلي الأيدي من الأملاك) (١٠).وبمثل ذلك قال رويم بن أحمد الصوفي المتوفى ٣٠٣ هـ حينما سئل عن الزهد ما هو؟. فقال: (هو ترك حظوظ النفس من جميع ما في الدنيا) (١١).

وذكر الشعراني عن ابن عربي أنه قال: (من أراد فهم المعاني الغامضة من كلام الله عز وجل وكلام رسوله وأوليائه فليزهد في الدنيا حتى يصير ينقبض خاطره من دخولها، ويفرح لزوالها) (١٢).

وينقل أيضا عن إبراهيم المتبولي أنه قال: (كل فقير لا يحصل له جوع ولا عري فهو من أبناء الدنيا) (١٣).

وذكر الصوفي عماد الدين الأموي في كتابه (حياة القلوب) أن رجلا دخل على بعض الصوفية يتكلم في الزهد وعنده قميص معلق وعليه آخر، فقال: يا شيخ، أما تستحي أن تتكلم في الزهد ولك قميصان (١٤).

وزجر السري السقطي رجلا كان يملك عشرة دراهم وقال:


(١) المحبة للمحاسبي نقلا عن ملحق تاريخي في آخر كتاب ((ختم الأولياء)) بتحقيق عثمان إسماعيل ط بيروت.
(٢) ((عوارف المعارف)) للسهروردي (ص ٩٢)، ((اللمع)) للطوسي (ص ٢٦٢)، ((الرسالة القشيرية)) (١/ ٧١).
(٣) ((الرسالة القشيرية)) لأبي القاسم القشيري (١/ ٨٤).
(٤) ((قوت القلوب)) لأبي طالب المكي (١/ ٢٦٧)، أيضا ((غيث المواهب العلية)) للنفزي الرندي (ص ٢٠٨).
(٥) ((الرسالة القشيرية)) (١/ ١١٧).
(٦) ((إيقاظ الهمم)) لابن عجيبة الحسني (ص ٢١٣) الطبعة الثالثة مصطفى البابي الحلبي ١٤٠٢ هـ.
(٧) أيضا.
(٨) ((اصطلاحات الصوفية)) لكمال الدين عبد الرزاق القاشاني من صوفية القرن الثامن الهجري (ص ٧٦) ط الهيئة المصرية العامة للكتاب مصر.
(٩) رواه أبو داود (١٥٤٤) والنسائي (٥٤٦٠) وأحمد (٢/ ٣٠٥) (٨٠٣٩) وابن حبان (١٠٣٠) والحاكم (١٩٨٣) وقال صحيح الإسناد على شرط مسلم، وصححه الألباني
(١٠) ((اللمع)) للطوسي (ص ٧٢)، أيضا ((مناقب الصوفية)) لقطب الدين المروزي (ص ٥٥) ط طهران ١٣٦٢ هجري قمري.
(١١) ((اللمع)) للطوسي (ص ٧٢).
(١٢) ((اليواقيت والجواهر)) للشعراني (١/ ٢٦) مصطفى البابي ١٣٧٨ هـ.
(١٣) ((الأخلاق المتبولية)) للشعراني (٢/ ٩٤) تحقيق عبد الحليم محمود ط مطبعة حسان – القاهرة.
(١٤) ((حياة القلوب في كيفية الوصول على إلى المحبوب)) لعماد الدين الأموي (٢/ ١٢٢) على هامش ((قوت القلوب)).

<<  <  ج: ص:  >  >>