للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم، وروى الغزالي في إحيائه روايات كثيرة مكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الجوع (١).

ومما يجدر ذكره أن المحقق كتب في تعليقاته عن جميع تلك الروايات في فضل الجوع أنه لم يجد لها أصلا.

هذا، ونقل عماد الدين الأموي عن عيسى عليه السلام أنه قال: (طوبى للجياع العطاش فإنهم هم الذين يرون الله (٢).

وقال السهر وردي: (قد اتفق المشايخ على أن بناء أمرهم على أربعة أشياء: قلة الطعام، وقلة المنام، وقلة الكلام، والاعتزال على الناس (٣).

ثم بيّن طريق التدرّب على الجوع، وهي تشبه تماما طريقة يوجا الهندية حذو القذة بالقذة، وطبق النعل، فيقول:

(وقد اتفق مشايخ الصوفية على أن بناء أمرهم على أربعة أشياء: قلة الطعام وقلة المنام وقلة الكلام والاعتزال عن الناس، وقد جعل للجوع وقتان، أحدهما: آخر الأربع والعشرين ساعة فيكون من الرطل لكل ساعتين أوقية بأكلة واحدة يجعلها بعد العشاء الآخرة أو يقسمها أكلتين، كما ذكرنا، والوقت الآخر: على رأس اثنتين وسبعين ساعة، فيكون الطي ليلتين والإفطار في الليلة الثالثة، ويكون لكل يوم ثلث رطل، وبين هذين الوقتين وقت وهو أن يفطر من كل ليلتين ليلة، ويكون لكل يوم وليلة نصف رطل، وهذا ينبغي أن يفعله إذا لم ينتج عليه سآمة وضجراً وقلة انشراح في الذكر والمعاملة، فإذا وجد شيئا من ذلك فليفطر كل ليلة ويأكل الرطل في الوقتين أو في الوقت الواحد، فالنفس إذا أخذت بالإفطار من كل ليلتين ليلة، ثم ردت إلى الإفطار كل ليلة تقنع، وإن سومحت بالإفطار كل ليلة لا تقنع بالرطل وتطلب الإدام والشهوات، وقس على هذا، فهي إن أطمعت طمعت، وإن أقنعت قنعت، وقد كان بعضهم ينقص كل ليلة بقدر نشاف العود، ومنهم من كان ينقص كل ليلة ربع سبع الرغيف حتى يفنى الرغيف في شهر، ومنهم من كان يؤخر الأكل ولا يعمل في تقليل القوت ولكن يعمل في تأخيره بالتدريج حتى تندرج ليلة في ليلة، وقد فعل ذلك طائفة حتى انتهي طيّهم إلى سبعة أيام وعشرة أيام وخمسة عشر يوما إلى الأربعين.

وقد قيل لسهل بن عبد الله: هذا الذي يأكل في كل أربعين وأكثر أكله أين يذهب لهب الجوع عنه؟.قال: يطفئه النور (٤).

وكذلك التعري لم يأخذه الصوفية إلا من البوذية والجينية. وجلّ تماثيل البوذا وصور رجال الديانات الهندوكية كلها ناطقة منبئة عمن أخذها القوم هذه القباحة والوقاحة. حتى إن طائفة من طوائف الجينية تسمى ويجامبرة أي أصحاب الزي السماوي، الذين لم يتخذوا كساء لهم غير السماء، وهم الذين يقولون: (إن العرفاء الكاملين لا يقتاتون بشيء، وإن من يملك شيئا من متع الدنيا ولو كان ثوبا واحدا يستر به عورته لا ينجو (٥).

وإننا لنجد كثيراً من الصوفية، ويسمون المجاذيب، يتجردون عن الثياب البتة، ويمشون في الأسواق، ويجلسون في الخانقاوات كما خلقهم الله.

ولقد ذكر أصحاب الطبقات الصوفية، الكثيرين من هؤلاء. ونورد ههنا واحدا ممن ذكرهم الشعراني (قطب زمانه وإمام عصره) في طبقاته، فيقول: (الشيخ إبراهيم العريان: كان رضي الله عنه إذا دخل بلدا سلّم على أهلها كبارا وصغارا بأسمائهم، حتى كأنه تربى بينهم (يعني كان يعلم الغيب)، وكان رضي الله عنه يطلع المنبر ويخطب عريانا (٦).


(١) انظر (ص٧٧) وما بعد.
(٢) ((حياة القلوب)) لعماد الدين الأموي بهامش ((قوت القلوب)) (٢/ ٩).
(٣) ((عوارف المعارف)) للسهروردي (ص٢٢٣) ط دار الكتاب العربي الطبعة الثانية ١٩٨٣ م.
(٤) ((عوارف المعارف)) للسهر وردي (ص٢٢٣، ٢٢٤).
(٥) انظر ((فلسفة الهند القديمة)) لمحمد عبد السلام الامبوري (ص٦٤)، كذلك ((أديان الهند الكبرى)) للشلبي (ص١٢٦) ط القاهرة ١٩٦٤ م.
(٦) انظر ((طبقات الشعراني)) (٢/ ١٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>