للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجدير بالذكر أن هناك كتابا ترجم إلى اللغة العربية باسم (فلسفة راجايوجا) بطبع عبد الغني أحمد، وترجمة حسن حسين، فيه فصل خاص لمقارنة هذه الفلسفة الهندية بالفلسفة الصوفية وكما أن الكتاب كله يشتمل على الرياضات والمجاهدات وطرق الأوراد والذكر، التي نقلناها آنفا من المتصوفة الكبار وأقطاب هذه الطائفة وأعلامها.

وأما قضية وحدة الوجود والحلول والاتحاد، المقائد التي نادى بها الحلاج وابن عربي وجلال الدين الرومي وغيرهم ممن سلك مسلكهم، ونهج منهجهم. فلم يشك أحد في كونها مأخوذة مقتبسة بتمامها من (فيدانتا) الهندية.

ومن قرأ آراء شري شنكر أجاريا في فلسفة (فدانتا) عرف جيدا أنها عين ما قاله الحلوليون والاتحاديون وأصحاب وحدة الوجود، وأن ما بيّنه شنكر، وفصّل القول فيه في شرح فلسفة وحدة الوجود أو فيدنتا هي التي توجد في كتب الوجوديون بكلياتها وجزئياتها.

وأكثر من ذلك تعرض تعاليم شنكر أجاريا وتقرأ مكتوباته على من قرأ كتب ابن عربي، وشارحه ابن الفارض، ومفسره في المعجم جلال الدين الرومي، لم يستطع التفريق في مقولاتهم ومكتوباتهم، وحتى الأسلوب والمنهج والتعبير وبيان الطرق الموصلة إلى حصول المعرفة والإدراك.

وبذلك اعترف صوفي كبير من شبه القارة الهندية الباكستانية، وكاتب شهير في تعاليم التصوف وتاريخه أن مسلك وحدة الوجود بمعنى أنه لا موجود في الحقيقة إلا الله، وأن وجود الممكنات وهميّ مثل الشعلة التي تظهر بتحريكها سريعة دائرة وهمية، يظنها الناظر دائرة حيث لا يكون لها وجود حقيقة، بل حركة الشعلة بسرعة هي التي أوهمت الناظر بوجودها، فكذلك الكون والممكنات. فهذا مسلك شري شنكر أجاريا، الذي أسسه وأوضحه في شروحه لأوينشد، وأخذ منه هذه الفلسفة من المسلمين (حضرة الأقداس إمام العرفاء محيي الدين ابن عربي، والمعروف بالشيخ الأكبر).

كما أنه تأثر بفلسفة حكماء المغرب مثل اسنبوزا، لائبنز، فخته، هيجل، شوين هاور، باذنكويت، وبردليه، كما أن الشهوديين من المسلمين أخذوا فلسفة وحدة الشهود أيضا من العرفاء الهندوكيين. وهذا المسلك مأخوذ من رام نوج أجاريا أحد شراح اوبنشاد الأربعة المعروفين (١).

فالديانات الهندية هي المصدر الآخر للتصوف الذي راح بين المسلمين، وأختاره طائفة من الناس الذين أرادوا أن يكونوا عرفاء من بين المسلمين، واختاروا نفس المناهج التي وضعها أصحاب الديانات الهندية لحصول (نروان) أي المعرفة، وجعلوا غورديسيا (أي تعذيب النفس) وجب وكيان دهيان (أي الصمت والتفكير والذكر) وسيلة للوصول إليها، وكان هذا ظاهرا جليا واضحا إلى حدّ اضطر المراعون للتصوف، والمداهنون للصوفية، والمدافعون عنهم أن يقرّوا به على ملأ من الناس:


(١) انظر ((تاريخ تصوف)) ليوسف سليم جشتي (ص٣٠) وما بعد ط مجمع العلماء أوقاف لاهور ١٩٧٦ م.

<<  <  ج: ص:  >  >>