للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما صوفية الهند وكتاب شبه القارة عن التصوف فأيضا أقروا بتلك الحقيقة الناصعة التي لا يمكن التهرب والأعراض عنها.

فلقد قال البروفيسور يوسف سليم جشتي في كتابه الكبير عن التصوف، بعد ما استعرض آراء الأفلاطونية الحديثة ونظريتها مفصلة، قال:

(إن التصوف لم يقتبس، ولم يؤخذ إلا من المنابع الصافية والمصادر الطاهرة، وعلى رأسها الأفلاطونية المحدثة، وتبني الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي نفس الأفكار التي نشرها أفلوطين الأسكندري، المبنية على الفكر الفلسفي والمشاهدة الذاتية، والذي بين أن تزكيه النفس لا يمكن إلا بالتبتل عن العلائق الدنيوية والعالم المادي، ولها مراتب ثلاث:

تصفية النفس، وتجلية النفس، وتحلية النفس.

ولا يمكن الوصول إليها إلا بالمراحل الثلاث:

أولا: بالفن والآداب، والمراد منها طلب الحقيقة وجمالها. وأن هذين الشيئين أي ( T uth and Beauty) اسمان لشيء واحد في الحقيقة.

ثانيا: بالعشق.

ثالثا: بالحكمة. وأهم الأشياء في فلسفة أن طريق تهذيب النفس وتكميل الروح ليس ببرهاني ولا عقلي، بل هو وجداني وكشفي، كما أن فلسفته في الإلهيات تدور على وحدة الوجود، وهذا عين ما كان يؤمن به الشيخ الأكبر ابن عربي وغيره، كما أؤمن به أنا أيضا (١).

وبمثل ذلك قال الآخر:

ولا يبعد أن التصوف الإسلامي قد تأثر إلى حد كبير بالفلسفة اليونانية والتصوف الهندي والأديان الأخرى المجاورة للعرب كالمسيحية في الشام واليهودية في اليمن والزرادشتية في العراق وبلاد الفرس وغيرها إذ تم الاختلاط بين العرب وبين معتنقي هذه الديانات في القرن الثاني والثالث الهجري، وترجمت الفلسفة اليونانية كما ترجمت الثقافات الأخرى التي كانت موجودة عند أهل هذه البلاد المفتوحة قبل دخولهم في الدين الإسلامي.

لذلك رأى بعض العلماء أن التصوف الإسلامي هو إيجاد الفلسفة اليونانية.

بينما قال البعض الآخر: أنه نواة الدين المسيحي، في حين أن فريقا من المحققين يميلون إلى التصوف الإسلامي قد أخذته العرب من الهنود كما أخذت العرب الفلسفة من اليونان إذ كان التصوف شائعا رائجا بين الهنود قبل الإسلام بقرون، ولم يظهر عند العرب في صورة مذهب مستقل إلا بعد فتح البلاد الهندية واختلاطهم بأهل تلك البلاد) (٢).

فهذه هي عبارات ونصوص الباحثين من المسلمين الذين عرفوا بالبحث والكتابة عن التصوف والصوفية، والأكثر منهم عرفوا بالولاء للصوفية والدفاع عنهم وعن معتقداتهم، والبعض منهم يُعَدّ من الصوفية ويحسب على التصوف.

هذا ولأجل ذلك ذهب معظم المستشرقين إلى أن الأفلاطونية الحديثة من أهم مصادر التصوف، وخاصة للتصوف المتأخر من القرون الأولى، ولقد بحث المستشرق الأنجليزي نيكلسون هذا الأمر في مقالاته عن التصوف بمواضع عديدة، فأرجع نشأته إلى عوامل خارجة عن الإسلام عملت عملها ابتداء من القرن الثالث الهجري. وأهم هذه العوامل وأبرزها في نظره هو الأفلاطونية الحديثة المتأخرة التي كانت شائعة في مصر والشام إلى عهد ذي النون المصري ومعروف الكرخي، ولهذا يتخذ من ذي النون المصري محورا لبحثه في هذه المقالة، فيأتي بكثير من الأسانيد التاريخية عن حياة ذي النون ونشأته، ويستدل بها على أن ذا النون كان على علم بالحكمة اليونانية الشائعة في عصره. ويتتبع حركة الثقافة اليونانية المتأخرة وطرق وصولها إلى المسلمين.


(١) انظر ((تاريخ التصوف باللغة الأردية)) ليوسف سليم جشتي (ص٦٣ وما بعد ط علماء اكيدمي وزارة الأوقاف باكستان ١٩٧٦ م.
(٢) مقدمة كتاب بايزيد الأنصاري للدكتور مير ولي خان الطبعة العربية (ص٩٩) ط مجمع البحوث الإسلامية باكستان ١٣٩٦ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>