للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي مقال آخر صرح بأن التصوف الفلسفي الإلهي هو أثر من آثار النظر اليوناني، ولا يمكن الإنكار من امتزاج الفكر اليوناني والدين الإسلامي في التصوف وخاصة الأفلاطونية المحدثة (١). وبمثل ذلك قال براون في كتابه (تاريخ فارس الأدبي)، والمستشرق الأوليري في كتابه (الفكر العربي ومكانته في التاريخ (٢).

ومير كس في كتابه (٣).

ويقول ماسينيون المستشرق الفرنساوي: (وتسربت الفلسفة اليونانية إلى العالم الإسلامي، وأخذ يزداد باطراد منذ أيام الأذرية القرامطة القدامى، والرازي الطبيب إلى عهد ابن سينا، وكان من نتيجة ذلك أن استحدثت في القرن الرابع الهجري مصطلحات ميتافيزيقة أدق من سابقتها يفهم منها أن الروح والنفوس جواهر غير مادية، وأن ثمة معاني عامة وسلسلة من العلل الثانية وغير ذلك، وأن هذه المصطلحات اختلطت بالإلهيات المنحولة لأرسطو، وبمثل أفلاطون، وفيوضات أفلوطين، وقد كان لهذا كله أثر بالغ في تطور التصوف (٤).

فهذه هي آراء المستشرقين، تشبه تماما آراء من ذكرناهم قبل ذلك من المسلمين.

وهناك في كتب بعض الصوفية المتقدمين ما يدل على ارتباطهم بالفلسفة اليونانية وأخذهم عنها، وتأثرهم بها، حيث مجدوها وبالغوا في الثناء عليها، وعلى من أوجدها وطرحها ونشرها بين الناس، ولو حصل الخطأ في نسبة بعض الآراء والأفكار إلى البعض دون البعض، وإلى الواحد دون الآخر كما مرت الإشارات إلى ذلك أثناء نقل العبارات السابقة عنهم.

فيقول الجيلي في كتابه (الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل) في الجزء الثاني منه ما يدل على حبه العميق لموجدي الفلسفة اليونانية والربط الشديد لموجديها، فيقول:

(ولقد اجتمعت بأفلاطون الذي يعدونه أهل الظاهر كافرا، فرأيته وقد ملأ العالم الغيبي نورا وبهجة، ورأيت له مكانة لم أرها إلا لآحاد من الأولياء، فقلت له: من أنت؟ قال: قطب الزمان وواحد الأوان، ولكم رأينا من عجائب وغرائب مثل هذا ليس من شرطها أن تفشي، وقد رمزنا لك في هذا الباب أسراراً كثيرة ما كان يسعنا أن نتكلم فيها بغير هذا اللسان، فألق القشر من الخطاب وخذ اللب إن كنت من أولي الألباب (٥).

وفي مقام آخر من كتابه كتب أن أرسطو تلميذ أفلاطون لزم خدمة الخضر واستفاد منه علوما جمة، وكان من تلامذته (٦).

وهذا غير ما ذكر من آرائه وآراء أفلاطون وفلسفتهما، والتعلق والتمسك بها ومصطلحاتها التي استعملها واعتنقها وآمن بها.

وبمثل ذلك كتب لسان الدين بن الخطيب في كتابه الصوفي الكبير (روضة التعريف بالحب الشريف) حيث يلقب أفلاطون كلما يذكره بمعلم الخير، وأرسطو بحكيم متأله، وسقراط وهرمس وغيرهم من أهل الأنوار.

وحكى عن أرسطو (خطأ) أنه حصل له الاتحاد بالذات الإلهية. فيقول نقلا عن أرسطو أنه قال:


(١) صوفية الإسلام (ص١٥).
(٢) انظر (ص١٩٦)، أيضا ((مدخل إلى التصوف)) للتفتازاني (ص٣٢، ٣٣).
(٣) انظر ((كتابه التاريخ العام للتصوف ومعالمه)).
(٤) ((التصوف) لماسينيون (ص٣٨، ٣٩).
(٥) ((الإنسان الكامل)) لعبد الكريم الجيلي (٢/ ٥٢، ٥٣) الطبعة الرابعة ١٩٨١ م.
(٦) أيضا (٢/ ١١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>