للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن عتاة دعاة وحدة الوجود الجيلي صاحب كتاب (الإنسان الكامل) وقد ترجم له الشعراني وأطال في ترجمته، ابتدأها بقوله:"ومنهم أبو صالح سيدي عبد القادر الجيلي رضي الله عنه" (١). ثم جاء في أخباره بما لا يصدقه عاقل. ومما يدل على تعمق الجليلي في القول بوحدة الوجود وأنه لم يعد بينه وبين الله أي فارق، ولا بينه وبين كل المخلوقات في هذا الكون أي فارق أيضاً ما أورده في كتابه (الإنسان الكامل) (٢):

لي الملك في الدارين لم أر فيهما ... سواي فأرجو فضله أو فأخشاه

وقد حزت أنواع الكمال ... جمال جلال الكل ما أنا إلا هو

لي الملك والملكوت نسجي وصنعي ... لي الغيب والجبروت مني منشاه

فمهما ترى من معدن ونباته ... حيوانه مع أنسه وسجاياه

ومهما ترى من أبحر وقفاره ... ومن شجر أو شاهق طال أعلاه

ومهما ترى من صور معنوية ... من مشهد للعين طاب محياه

ومهما ترى من هيئة ملكية ... ومن منظر إبليس قد كان معناه

ومهما ترى من شهوة بشرية ... طبع وإيثار لحق تعاطاه

ومهما ترى من عرشه ومحيطه ... كرسيه أو رفرف عز مجلاه

فإني ذاك الكل والكل مشهدي ... أنا المتجلي في حقيقته لا هو

وإني رب للأنام وسيد ... جميع الورى اسم وذاتي مسماه (٣)

فالجيلي هو كل شيء والله هو أيضاً كل شيء، من خير أو شر، من فسق أو فجور، الكل هو الله على حسب هذه العقيدة المجوسية.

ومن القائلين بوحدة الوجود ووحدة الشهود هو أبو حامد الغزالي، ولقد تأثر الناس به كثيراً؛ لأنه كان في وقته يداري كل طائفة ويتودد إليها بالموافقة، وخفي أمره على كثير من الناس فلم يفطنوا إلى تعلقه بوحدة الوجود، وإن كان قد صرح بها كثيراً في كتبه، وخصوصاً إحياء علوم الدين، وفي هذا يقول عنه عبد الرحمن الوكيل:

"لا تعجب حين ترى الغزالي يجنح في دهاء إلى السلفية في بعض ما كتب فللغزالي وجوه عدة كان يرائي بها صنوف الناس في عصره، فهو أشعري؛ لأن نظام الملك صاحب المدرسة النظامية أراده على ذلك، وهو عدو للفلسفة؛ لأن الجماهير على تلك العداوة، وهو متكلم ولكنه يتراءى بعداوته للكلاميين اتقاء غضب الحنابلة.

وأما بالنسبة لرجوعه عن غلوه في التصوف، وأو عدم رجوعه فقد قرر بعض العلماء أن الغزالي رجع عن تلك الاقوال الصوفية، إلا أن بعضهم شكك في رجوعه وتوبته، ومن هنا يقول عبد الرحمن الوكيل:"يحاول السبكي في كتابه (طبقات الشفاعية) تبرئة ساحة الغزالي بزعمه أنه اشتغل في أخريات أيامه بالكتاب والسنة ونحن نسأل الله أن يكون ذلك حقاً، ولكن لا بد من تحذير المسلمين جميعاً من تراث الغزالي، فكل ما له من كتب في أيديهم تراث صوفي ولم يترك لنا في أخريات أيامه كتاباً يدل على أنه اشتغل بالكتاب وبالسنة" (٤).

ومن أقوال الغزالي في وحدة الوجود كما جاءت في كتابه (إحياء علوم الدين) قوله في ثنايا بيانه لما سماه مراتب التوحيد

"والثانية: أن يصدق بمعنى اللفظ قلبه كما صدق عموم المسلمين، وهو اعتقاد العوام.


(١) انظر ((طبقات الشعراني)) من (ص ١٢٦ – ١٣٢).
(٢) يقول الكشخانلي في ((شرح وحقيقة الإنسان الكامل)): " ((الإنسان الكامل)) المتحقق بحقيقة البرزخية الكبرى عين الله وعين العالم" ((جامع الأصول في الأولياء)) (ص ١١١) نقلاً عن هذه (هي الصوفية) (ص ٤٤).
(٣) هذه ((هي الصوفية)) (ص ٥٦ - ٥٧).
(٤) هذه ((هي الصوفية)) (ص ٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>