للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والواقع أنه ما من مسلم يشك في كفر أو ارتداد من قال بوحدة الوجود، وعلماء الإسلام حين حكموا بكفر غلاة المتصوفة من القائلين بوحدة الوجود والحلول والاتحاد حكموا أيضاً بكفر من لم ير تكفيرهم.

ولقد قال شيخ الإسلام عن هؤلاء: "إن كفر هؤلاء أعظم من كفر اليهود والنصارى ومشركي العرب".

ولقد وصل الهوس والجنون بابن الفارض – بناء على عقيدته أن الله هو عين كل شيء – وصل به الحال إلى أن يعتقد أنه هو الله حقيقة؛ لأن الله حسب خرافاته هو عين كل شيء فهو على هذا يمثل الله – تعالى عن قولهم.

وابن عربي من أساطين القائلين بوحدة الوجود والحلول والاتحاد وصحة الأديان كلها، مهما كانت في الكفر إذ المرجع والمآل واحد، ومن هنا فهو يقول:

عقد الخلائق في الإله عقائداً ... وأنا اعتقدت جميع ما اعتقدوه

ويقول:

العبد رب والرب عبد ... يا ليت شعري من المكلف

إن قلت عبد فذاك رب ... أو قلت رب فأنى يكلف

ولابن عربي في كتابه (فصوص الحكم)، وكتابه الآخر (الفتوحات المكية) من الأقوال في وحدة الوجود ونفي الفرق بين الخالق والمخلوق وثبوت اتحادهما تماماً أقوال لا تكاد تحصر نثراً ونظماً.

وأما ابن الفارض فإذا أراد الشخص أن يعرف عقيدته تمام المعرفة فليقرأ تائيته التي باح فيها بكل صراحة وتحد أن الله متحد بكل موجود، وأن ابن الفارض نفسه هو المثل الكبير لله تعالى في صفاته وأفعاله؛ ولهذا فهو يفسر كل ما في الوجود بأنه يصح أن يقال فيه: إن الله أوجده أو كل موجود هو أيضاً ذلك الموجد.

وأن كل عبادة تقام فإنها توجه له أو لله لا فارق بينهما إلا في ذكر الاثنينية التي هي أيضاً لا وجود لها عند استجلاء الحقيقة حيث تتلاشى الاثنينية ويصبح الوجود واحداً ممثلاً في كل شيء. وإذا أردت تفصيل كل تلك الحقائق عنه فاقرأ تائيته أو الأبيات الآتية، وانظر شرحها عند الشيخ عبد الرحمن الوكيل (١).

ويقول ابن الفارض عن الذات الإلهية وتجليها له:

جلت في تجليها الوجود لناظري ... ففي كل مرئى أراها برؤية

ففي الصحو بعد المحو لم أك غيرها ... وذاتي بذاتي إذا تحلت تجلت

فوصفي إذا لم تدع باثنين وصفها ... وهيئتها إذ واحد نحن هيئتي

فإن دعيت كنت المجيب وإن أكن ... منادى أجابت من دعاني ولبت

فقد رفعت تاء المخاطب بيننا ... وفي رفعها عن فرقة الفرق رفعتي

وكل الجهات الست نحوي توجهت ... بما تم من نسك وحج وعمرة

لها صلواتي في المقام أقيمها ... وأشهد فيها أنها لها صلت

كلانا مصل واحد ساجد إلى ... حقيقته بالجمع في كل سجدة

وما كان لي صلى سواي ولم تكن ... صلاتي لغيري في أداء كل سجدة (٢)

ويقول عن معنى سجود الملائكة لآدم، وأن الملائكة إنما هم صفة من صفاته لا خلق مستقل:

وفيَّ شهدت الساجدين لمظهري ... فحققت أني كنت آدم سجدتي

شرحه الصوفي القاشاني بقوله:"أي عاينت في نفسي الملائكة الساجدين لمظهري فعلمت حقيقة أني كنت في سجدتي آدم تلك السجدة وأن الملائكة يسجدون لي والملائكة صفة من صفاتي، فللساجد صفى مني تسجد لذاتي" (٣).


(١) ((هذه هي الصوفية)) (٢٤٨).
(٢) ((تائية ابن الفارض)).
(٣) ((كشف الوجوه الغر على هامش شرح الديوان)) (٢/ ٨٩) نقلاً عن ((هذه هي الصوفية)) (ص٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>