للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حاول جاهداً أن يغطي ما قاله في تلك المرأة من العشق والغرام ليحوله علي أنه قاله في الحب الإلهي، ولكن لم يتم ذلك؛ حيث غلب الطبع على التطبع، وليست هذه معشوقته الوحيدة، بل هناك أخرى عشقها وهو يطوف حول البيت، وقال فيها أشعاراً غزلية ماجنةً، ولم يستشعر مقدار جرمه في الحرم الذي يعاقب الله فيه على مجرد النية، ثم وصف تلك الأشعار بعد ذلك بالحب الإلهي تمويهاً وتغطية لمجون هذا الشيخ الصوفي الكبير، فأين الحب الإلهي في مثل قوله:

ليت شعري هل دروا ... أي قلب ملكوا

وفؤادي لو درى ... أي شعب سلكوا

أتراهم سلموا ... أم تراهم هلكوا

حار أرباب الهوى ... في الهوى وارتبكوا (١)

وحدة الوجود:

وحدة الوجود عقيدة إلحادية تأتي بعد التشبع بفكرة الحلول في بعض الموجودات، ومفادها لا شيء إلا الله وكل ما في الوجود يمثل الله عز وجل لا انفصال بين الخالق والمخلوق، وأن وجود الكائنات هو عين وجود الله تعالى ليس وجودها غيره ولا شيء سواه البتة، وهي فكرة هندية بوذية مجوسية. وهذا هو المبدأ الذي قام عليه مذهب ابن عربي الذي قال: سبحان من خلق الأشياء وهو عينها، وتجرأ على تفسير كتاب الله بغير علم فاستدل بآيات من القرآن الكريم زعماً أن الله أطلق اسم الوجود على نفسه كما في قوله تعالى: وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ [النور:٣٩]، لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا [النساء:٦٤]، يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَّحِيمًا [النساء:١١٠]، واستدل بأحاديث موضوعة مثل حديث: ((من عرف نفسه فقد عرف ربه)) (٢).

وهذا الاستدلال من أغرب وأنكر ما تلفظ به قائل.

إذ كيف يتأتى لهم القول أن القرآن والسنة يدعون إلى الإلحاد والكفر بالله؟ ولا شك أن هذه العقائد الإلحادية قديمة جداً في العبادات الهندية والديانات البوذية. وقد انقسم أصحاب هذه المبادئ الإلحادية إلى فريقين:

١ - الفريق الأول: يرى الله سبحانه وتعالى روحاً وأن العالم جسماً لذلك الروح، فإذا سما الإنسان وتطهر التصق بالروح أي الله.٢ - الفريق الثاني: هؤلاء يزعمون أن جميع الموجودات لا حقيقة لوجودها غير وجود الله، فكل شيء في زعمهم هو الله تجلى فيه (٣).

والإسلام بريء من هذه الأفكار المنحرفة الخرافية كلها هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد: ٣]، وهؤلاء يقولون أن الله ما دام هو أصل وجود هذه الممكنات المشاهدة فكأن الموجودات في حكم العدل، والوجود الحقيقي هو الله الذي تجلى في أفعاله ومخلوقاته، وبالتالي فإن العقائد كلها حقائق والناس لا خلاف بينهم حقيقة، والديانات كلها ترجع إلى حقيقة واحدة، هذا ولا شك أنه خلط وانحراف شنيع أدى بمن أعتنقه إلى خذلان المسلمين وترك أمر الجهاد.

ولهذا نجد أن المستشرقين اهتموا كثيراً بدراسة ظاهرة التصوف؛ لأنها تحقق أهدافهم في إلهاء المسلمين وتفرق كلمتهم، وبالتالي فإنهم وجدوا فيها معيناً لهم على نشر الإلحاد وإنكار النبوات ونبذ التكاليف الشرعية والدعوة إلى القول بوحدة الأديان وتصويبها جميعاً مهما كانت، حتى وإن كانت عبادة الحجر والشجر.


(١) انظر ((التصوف المنشأ والمصادر)) (ص ٢٦٩ – ٢٧١).
(٢) قال السخاوي في المقاصد (١/ ٦٥٧) قال أبو المظفر بن السمعاني في الكلام على التحسين والتقبيح العقلي من القواطع إنه لا يعرف مرفوعا وإنما يحكى عن يحيى بن معاذ الرازي يعني من قوله وكذا قال النووي إنه ليس بثابت، وقال القاري في المصنوع (١/ ١٨٩) قال ابن تيمية موضوع وهو كما قال، وقال الألباني في الضعيفة (٦٦) لا أصل له.
(٣) ((الصوفية معتقداً ومسلكاً)) (ص ٢٠٦ – ٢٠٧)، نقلاً من ((التصوف الإسلامي والإمام الشعراني)) للأستاذ طه عبد الباقي سرور: (١/ ٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>