للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما تزكو النفس بملازمته والاستكثار منه الصلاة والسلام على رسول اللهصلى الله عليه وسلم فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا)) (١).

فانظر إلى هذا الأمر العظيم والجزاء الكريم، يصلي العبد على الرسول صلى الله عليه وسلم واحدة، فيصلي عليه خالق العالم ورب الكل عز وجل عشر مرات؛ فهذا ثواب لا يعادله ثواب وجزاء لا يساويه جزاء وأجر لا يماثله أجر.

وبعد أن ذكرنا هذه المجموعة الطيبة من النوافل على سبيل التذكير لمن أراد أن يزكى نفسه بالنوافل بعد الفرائض، يظهر جليا كيف أغنانا الله بالوسائل المشروعة لتزكية النفوس، ونوع الأعمال الصالحة التي يدخل العبد بها على الله عز وجل.

قال ابن القيم رحمه الله: من الناس من يكون سيد عمله الذكر وقد جعله زاده لمعاده ورأس ماله لمآله، فمتى فتر عنه أو قصر رأى أنه قد غبن وخسر، ومن الناس من يكون سيد عمله وطريقه الصلاة فمتى قصر في ورده منها، أو مضى عليه وقت وهو غير مشغول بها أو مستعد لها، أظلم عليه وقته، وضاق صدره، ومن الناس من يكون طريقه الإحسان والنفع المتعدي، كقضاء الحاجات وتفريج الكربات وإغاثة اللهفات وأنواع الصدقات، قد فتح له في هذا وسلك منه طريقا إلى ربه، ومن الناس من يكون طريقه الصوم، فهو متى أفطر تغير عليه قلبه وساءت حاله، ومن الناس من يكون طريقه تلاوة القرآن، وهي الغالب على أوقاته، وهي أعظم أوراده، ومنهم من يكون طريقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قد فتح الله له فيه ونفذ منه إلى ربه، ومنهم من يكون طريقه الذي نفذ فيه الحج والاعتمار، ومنهم من يكون طريقه قطع العلائق، وتجريد الهمة، ودوام المراقبة، ومراعاة الخواصر، وحفظ الأوقات أن تذهب ضائعة، ومنهم جامع المنفذ السالك إلى الله في كل واد، الواصل إليه من كل طريق، فهو جعل وظائف عبوديته قبلة قلبه ونصب عينه يؤمها أين كانت ويسير معها حيث سارت، قد ضرب مع كل فريق بسهم، فأين كانت العبودية وجدته هناك إن كان علم وجدته مع أهله، أو جهاد وجدته في صف المجاهدين، أو صلاة وجدته في القانتين، أو ذكر وجدته في الذاكرين، أو إحسان ونفع وجدته في زمرة المحسنين، أو محبة ومراقبة وإنابة إلى الله وجدته في زمرة المحبين المنيبين، يدين بدين العبودية التي استقلت ركابها، ويتوجه إليها حيث استقرت مضاربها، لو قيل له: ما تريد من الأعمال؟ لقال: أريد أن أنفذ أوامر ربي حيث كانت وأين كانت، جالبة ما جلبت، مقتضية ما اقتضت، جمعتني أو فرقتني، ليس في مرادي إلا تنفيذها والقيام بأدائها، مراقبا له فيها، عاكفا عليه بالروح والقلب والبدن والسر، قد سلمت له المبيع منتظرا منه تسليم الثمن: إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ [التوبة: ١١١].فهذا هو العبد السالك إلى ربه النافذ إليه حقيقة (٢).

فهذه طريقة ومناهج التزكية عند السلفيين أهل السنة والجماعة، جعلها الله عز وجل كثيرة متنوعة جدا؛ لاختلاف استعدادات العباد وقوابلهم، ولو جعلها نوعا واحدا مع اختلاف الأذهان والعقول وقوة الاستعدادات وضعفها لم يسلكها إلا واحد بعد واحد، مع أن كل هذه طريق واحد، وهو صراط الله المستقيم كما قال تعالى وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ [الأنعام: ١٥٣].

المصدر:التزكية بين أهل السنة والصوفية لأحمد فريد - ص١٧ - ٣١


(١) رواه مسلم (٤٠٨)
(٢) ((طريق الهجرتين وباب السعادتين)) (١٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>