للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنهم من يقول: إنه يسمع ذلك المعنى من القارئ مع صوته المسموع منه، كما يقول ذلك طائفة أخرى. وجمهور العقلاء يقولون: إن هذه الأقوال معلومة الفساد بالضرورة، وإنما الجأ إليها القائلين بها ما تقدم من الأصول التي استلزمت هذه المحاذير، وإذا انتفى اللازم انتفى الملزوم ... " (١).

فهذه الأصول الفاسدة - مع معدم المعرفة التامة بأصول السنة - هي التي أوقعت الكلابية والأشعرية في هذه البدعة الكبرى في كلام الله، كما شرحه قبل قليل السجزي المتوفى سنة ٤٤٤هـ، ثم بينه وزاده تحقيقا شيخ الإسلام ابن تيمية. ومما سبق يتبين أن هذا القول بقدم القرآن وأنه معنى واحد أول من ابتدعه ابن كلاب (٢)، وأن الذين اتبعوه في أقواله في كلام الله - بناء على نفي الصفات الاختيارية القائمة بالله - طائفتان.

الطائفة الأولى: الأشاعرة ومن اتبعهم، وهؤلاء قالوا بقول ابن كلاب تماماً، ولم يخالفوه إلا في ثلاث مسائل:

أ- إحداها: مسألة أزلية الأمر والنهي، أي هل كان في الأزل آمرا وناهيا؟ أو صار آمرا ناهيا بعد أن لم يكن، أي عند وجود المأمور والمنهي. الأولى - وهو القول بأزلية الأمر والنهي هو قول الأشعري، والثاني قول ابن كلاب (٣).ب- والثانية: أن الكلام مع القول بقدمه وأزليته وأنه معنى واحد: هل هو صفة واحدة، أو خمس صفات، الأول هو قول الأشعري، والثاني قول ابن كلاب (٤).

ج- والثالثة: أن القرآن حكاية عن كلام الله عند ابن كلاب، وعبارة عنه عند الأشعري. والطائفة الثانية: السالمية ومن اتبعهم، جعلوا الأزلية للحروف والأصوات، ليجمعوا بين: موافقة ابن كلاب على نفي أن تقوم بالله الصفات الاختيارية، وموافقة الجمهور على أن الكلام ألفاظ ومعاني (٥).

وابن كلاب ومن اتبعه من هاتين الطائفتين مخالفون لأقوال جمهور السلف وأئمة الحديث والسنة، بل وجمهور العقلاء.

ومما سبق من بيان نشأة قول الأشاعرة في كلام الله وأسبابه والأصول التي قادتهم إلى أقوالهم يتبين ما يلي:

١ - أن قولهم هذا مبتدع في الإسلام، خالفوا فيه إجماع الناس.

٢ - أن ادعاء الأشاعرة أن قولهم موافق لقول السلف غير صحيح؛ لأن مذهب السلف كان معروفا قبل ابن كلاب، ولما ابتدع مقالته تلك اشتد نكير جماهير السلف عليه وعلى أتباعه.

٣ - أن أتباع ابن كلاب انقسموا إلى طائفتين: الأشعرية، والسالمية، وكل طائفة تطعن في قول الطائفة الأخرى. وهذا يدل على بطلانهما جميعا.٤ - بطلان دعوى الإجماع التي ادعوها على صحة قولهم (٦).


(١) ((درء التعارض)) (٢/ ١١١ - ١١٥).
(٢) انظر في ذلك: ((شرح الأصفهانية)) (ص: ٣٢٤ - ٣٢٥) - ت السعوي، و ((مجموع الفتاوى)) (١٢/ ٣٠١ - ٣٠٢)، و ((شرح حديث النزول - مجموع الفتاوى -)) (٥/ ٥٣٣، ٥٥٢ - ٥٥٣).
(٣) انظر ((الكيلانية - مجموع الفتاوى)) (١٢/ ٣٧٦).
(٤) انظر: ((الكيلانية - مجموع الفتاوى -)) (١٢/ ٣٧٦)، وانظر أيضا: في مذهب الكلابية والأشعرية في كلام الله: ((درء التعارض)) (٢/ ١٧٢ - ١٧٣، ٣٠٤ - ٣٠٧)، ((شرح الأصفهانية)) (ص: ٢٧) - ت مخلوف، ((التسعينية)) (ص: ٨٥ - ٨٧)، ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ٢٥١، ٧/ ٦٦٢، ١٢/ ٢٤٥، ٥٢٦)، ((جواب أهل العلم والإيمان - مجموع الفتاوى)) (١٧/ ٥٣، ٨٦ - ٨٧)، ((الكيلانية - مجموع الفتاوى)) (١٢/ ٣٩٢).
(٥) انظر في قول هذه الطائفة ومناقشتها: ((منهاج السنة)) (٢/ ١٠١ - ١٠٢) - ط الرياض الحديثة، و ((الكيلانية - مجموع الفتاوى)) (١٢/ ٣٧٠ - ٣٧١)، ((التسعينية)) (ص: ٩٦ - ١٠١)، ((منهاج السنة)) (٣/ ١٠٥) - ط بولاق، ((شرح حديث النزول - مجموع الفتاوى -)) (٥/ ٥٥٦ - ٥٥٧)، و ((مجموع الفتاوى)) (٩/ ٢٨٤).
(٦) أطال شيخ الإسلام في مناقشة هذه الدعوى، فناقشها في ((التسعينية))، الأوجه: ((٨/ ١١، ٢٦ - ٢٩))، انظر الصفحات (١٤٧ - ١٥١، ١٦٩ - ١٧٢). وهي مناقشات مهمة جدا ناقض فيها أيضا منهج الأشاعرة وأهل الكلام في دعواهم الإجماع على أقوالهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>