للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فغيره وقالوا: إن الكلام من الفؤاد (١) " (٢).ثم نقل شيخ الإسلام نصوصا أخرى للسجزي وللكرجي، ولأبي حامد الإسفراييني الذي اشتهر عنه مخالفة ابن كلاب والأشاعرة في مسألة كلام الله، التي تطرق إليها في أصول الفقه عند الكلام على صيغ الألفاظ، وأن الأمر هل هو أمر لصيغته أو لقرينة تقترن به (٣).

ثم قال شيخ الإسلام ابن تيمية معلقا على هذه النصوص التي نقلها، مبينا الأصل والسبب الذي حدا بابن كلاب والأشعري إلى أن يقولا في كلام الله ما قالا، قال-: "وإنما اضطر ابن كلاب والأشعري ونحوهما إلى هذا الأصل، أنهم لما اعتقدوا أن الله لا تقوم به ما يتعلق بمشيئته وقدرته، لا فعل ولا تكلم ولا غير ذلك، وقد تبين لهم فساد قول من يقول: القرآن مخلوق، ولا يجعل لله تعالى كلاما قائما بنفسه، بل يجعل كلامه ما خلقه في غيره، وعرفوا أن الكلام لا يكون مفعولا منفصلا عن المتكلم، ولا يتصف الموصوف بما هو منفصل عنه، بل إذا خلق الله شيئا من الصفات والأفعال بمحل كان ذلك صفة لذلك المحل، لا لله، ... وهذا التقرير مما اتفق عليه القائلون بأن القرآن غير مخلوق من جميع الطوائف، مثل أهل الحديث والسنة، ومثل الكرامية والكلابية وغيرهم، ولازم هذا أن من قال: القرآن العربي مخلوق، أن لا يكون القرآن العربي كلام الله، بل يكون كلاما للمحل الذي خلق فيه ...

والمقصود هنا: أن عبدالله بن سعيد بن كلاب وأتباعه وافقوا سلف الأمة وسائر العقلاء على أن كلام المتكلم لابد أن يقوم به، فما لا يكون إلا بائنا عنه لا يكون كلامه، كما قال الأئمة: كلام الله من الله ليس ببائن منه، وقالوا: إن القرآن كلام الله غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، فقالوا: "منه بدأ" ردا على الجهمية الذين يقولون: بدأ من غيره. ومقصودهم أنه هو المتكلم به كما قال تعالى: تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [الزمر: ١] وقال تعالى: وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي [السجدة: ١٣] وأمثال ذلك.

ثم إنهم - مع موافقتهم للسلف والأئمة والجمهور على هذا - اعتقدوا هذا الأصل، وهو أنه لا يقوم به ما يكون مقدورا له متعلق بمشيئته، بناء على هذا الأصل الذي وافقوا فيه المعتزلة، فاحتاجوا حينئذ أن يثبتوا ما لا يكون مقدورا مرادا، قالوا: والحروف المنظومة والأصوات لا تكون إلا مقدورة مرادة، فأثبتوا معنى واحدا، لم يمكنهم إثبات معان متعددة، خوفا من إثبات ما لا نهاية له، فاحتاجوا أن يقولوا معنى واحدا، فقالوا القول الذي لزمته تلك اللوازم التي عظم فيها نكير جمهور المسلمين، بل جمهور العقلاء عليهم.

وأنكر الناس عليهم أمورا:

- إثبات معنى واحد، هو الأمر والخبر.

- وجعل القرآن العربي ليس من كلام الله الذي تكلم به، وأن الكلام المنزل ليس هو كلام الله.

- وإن التوراة والإنجيل والقرآن إنما تختلف عباراتها، فإذا عبر عن التوراة بالعربية كان هو القرآن.

- وإن الله لا يقدر أن يتكلم، ولا يتكلم بمشيئته واختياره،

- وتكليمه لمن كلمه من خلقه - كموسى وآدم - ليس إلا خلق إدراك ذلك المعنى لهم، فالتكليم هو خلق الإدراك فقط.

ثم منهم من يقول: السمع يتعلق بذلك المعنى وبكل موجود، فكل موجود يمكن أن يرى ويسمع، كما يقوله أبو الحسن.

ومنهم من يقول: بل كلام الله لا يسمع بحال، لا منه ولا من غيره؛ إذ هو معنى، والمعنى يفهم ولا يسمع، كما يقوله أبو بكر ونحوه.


(١) في ((الرد على من أنكر الحرف والصوت)) (ص: ٩٢). إن الكلام من الفؤاد وإنما جعل اللسان على الكلام دليلا
(٢) ((درء التعارض)) (٢/ ٨٣ - ٨٦)، وقارن بـ ((الرد على من أنكر الحرف والصوت)) (ص: ٨٧ - ٩٢). ط على الآلة الكاتبة.
(٣) انظر: ((درء التعارض)) (٢/ ٩٥ - ١٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>