للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤ - الصوفية يدعون تزكية أنفسهم بالرهبانية وترك النكاح قال ابن الجوزي رحمه الله: النكاح مع خوف العنت واجب، ومن غير خوف العنت سنة مؤكدة عند جمهور الفقهاء، ومذهب أبي حنيفة وأحمد بن حنبل أفضل من جميع النوافل، لأنه سبب في وجود الولد قال صلى الله عليه وسلم: ((تناكحوا تناسلوا)) (١). وقال صلى الله عليه وسلم ((النكاح من سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني)) (٢). قال: وقد لبس إبليس على كثير من الصوفية فمنعهم من النكاح فقدماؤهم تركوا ذلك تشاغلا بالتعبد ورأوا النكاح شاغلا عن طاعة الله عز وجل، وهؤلاء وإن كانت بهم حاجة إلى النكاح أوبهم نوع شوق إليه فقد خاطروا بأبدانهم وأديانهم، وإن لم يكن بهم حاجة إليه فاتتهم الفضيلة، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((وفي بضع أحدكم صدقة قالوا: يأتي أحدنا شهوته ويكون له فيا أجر قال: أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر؟ قالوا: نعم قال: كذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر)) (٣).

ومنهم من قال: النكاح يوجب الميل إلى الدنيا فعن أبي سليمان الدراني أنه قال: إذا طلب الرجل الحديث، أو سافر في طلب المعاش، أو تزوج فقد ركن إلى الدنيا.

قال: فأما جماعة من متأخري الصوفية فإنهم تركوا النكاح ليقال زاهد، والعوام تعظم الصوفي إذا لم تكن له زوجة، فيقولون ما عرف امرأة قط. قال أبو حامد: ينبغي أن لا يشغل المريد نفسه بالتزويج، فإنه يشغله عن السلوك، ويأنس بالزوجة، ومن أنس بغير الله شغل عن الله.

قال ابن الجوزي:- وإني لأعجب من كلامه أتراه ما علم أن من قصد عفاف نفسه ووجود ولد أو عفاف زوجته فإنه لم يخرج عن جادة السلوك، أو يرى الأنس الطبيعي بالزوجة ينافي أنس القلوب بطاعة الله تعالى، والله تعالى من على الخلق بقوله خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم: ٢١] وفى الحديث الصحيح عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ((هلا تزوجت بكرا تلاعبها وتلاعبك)) (٤) وما كان بالذي يدله على ما يقطع أنسه بالله تعالى، أترى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان ينبسط إلى نسائه ويسابق عائشة رضي الله عنها أكان خارجا عن الأنس بالله، هذه كلها جهالات بالعلم. إلى أن قال:- وقد حمل الجهل أقواما فجبوا أنفسهم، وزعموا أنهم فعلوا ذلك حياء من الله تعالى، وهذه غاية الحماقة؛ لأن الله تعالى شرف الذكر على الأنثى بهذه الآلة، وخلقها لتكون سببا للتناسل، والذي يحب نفسه يقول بلسان الحال الصواب ضد هذا. (٥)

وقد أخذ الصوفية هذه الرهبانية من النصارى وصرحوا في كتبهم بإعجابهم برهبانية النصارى.

يقول الأستاذ دمشقية ما ملخصه:

وهذا الاعتزال الصوفي ليس مصدره إسلاميا وإنما مصدره رهبان النصارى ورياضاتهم عليه حول الصوفية وآثار هذا الإعجاب تبدو ظاهرة جلية في كتاب (الإحياء).

فالغزالي يذكر في الإحياء قصة بقلم إبراهيم بن أدم المعرفة والحكمة من راهب نصراني يقول: قال إبراهيم بن أدهم: تعلمت المعرفة من راهب يقال له سمعان.


(١) بهذا اللفظ لم يرد، وورد بلفظ (تناكحوا تكثروا) رواه عبدالرزاق في المصنف مرسلا وقال الألباني في ((ضعيف الجامع)) (٦٢٣٣) ضعيف.
(٢) رواه ابن ماجه (١٨٤٦) قال ابن حجر في التلخيص (٣/ ٢٥٣) في إسناده عيسى بن ميمون وهو ضعيف وقال البوصيري في زوائد ابن ماجه إسناده ضعيف لاتفاقهم على ضعف عيسى بن ميمون المديني لكن له شاهد صحيح وقال الألباني حسن.
(٣) انظر صحيح مسلم (١٠٠٦).
(٤) رواه البخاري (٢٩٦٧) واللفظ له ومسلم (٧١٥).
(٥) باختصار من ((تلبيس إبليس)) (٢٩٢،٢٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>