للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأبعد من ذلك ذكر (الاسم المضمر) وهو (هو) فإن هذا بنفسه لا يدل على معين، وإنما هو بحسب ما يفسره من مذكور أو معلوم، فيبقى معناه بحسب قصد المتكلم ونيته، ولهذا قد يذكر به من يعتقد أن الحق الوجود المطلق، وقد يقول: لا هو إلا هو، ويسري قلبه في وحدة الوجود، ومذهب فرعون والإسماعيلية وزنادقة هؤلاء المتصوفة المتأخرين، بحيث يكون قوله (هو) كقوله (وجوده) وقد يعني بقوله (لا هو إلا هو) أي أنه هو الوجود وأنه ما ثم خلق أصلا، وأن الرب والعبد والحق والخلق شيء واحد كما بينته من مذهب الاتحادية، ومن أسباب هذه الاعتقادات والأحوال الفاسدة الخروج عن الشريعة والمنهاج الذي بعث به الرسول إلينا صلى الله عليه وسلم، فإن البدع هي مبادئ الكفر ومظان الكفر، كما أن السنن المشروعة هي مظاهر الإيمان ومقوية للإيمان، فإنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.

٣ - الصوفية يدعون تزكية أنفسهم- بتحريم ما أحل الله من المطاعم والمشارب ولبس الصوف وتكلف ما لم يشرعه الله عز وجل من العبادات: قال ابن الجوزي رحمه الله:.- وقد بالغ إبليس في تلبيسه على قدماء الصوفية فأمرهم بتقليل المطعم وخشونته، ومنعهم شرب الماء البارد، وكان في القوم من يبقى الأيام لا يأكل إلا أن تضعف قوته، ومنهم من في بتناول كل يوم الشيء اليسير الذي لا يقيم البدن، وقد كان منهم قوم لا يأكلون اللحم حتى قال بعضهم: أكل درهم من اللحم يقسي القلب أربعين صباحا.

إلى أن قال رحمه الله: وقد صنف لهم أبو عبد الله محمد بن علي الترمذي كتابا سماه (رياضة النفوس) قال فيه: فينبغي للمبتدي في هذا الأمر أن يصوم شهرين متتابعين توبة من الله، ثم يفطر فيطعم اليسير، ويأكل كسرة كسرة، ويقطع الإدام والفواكه واللدة ومجالسة الإخوان، والنظر في الكتب، وهذه كلها أفراح للنفس؛ فيمنع النفس لدتها حتى تمتلئ عما. إلى أن قال: وهذا الذي نبهنا عنه من التقلل الزائد الحد قد انعكس في صوفية زماننا فصارت همتهم في المآكل، كما كانت همة متقدميهم في الجوع (١).

أما لبس الصوف فقد كانوا يلبسون الصوف يتقربون بذلك إلى الله عز وجل، ويحتجون بأن النبي صلى الله عليه وسلم لبس الصوف، وأما لبسه إياه فقد لبس النبي صلى الله عليه وسلم كذلك القطن والكتان، وما روى في فضل لبس الصوف فمن الموضوعات التي لا تثبت، بل تعمد لبس الصوف والدون من الملابس فمن البدع التي تخالف ما كان عليه السلف الصالح رضي الله عنهم. قال ابن الجوزي: وقد كان السلف يلبسون الثياب المنوسطة لا المرتفعة ولا الدون ويتخيرون أجودها للجمعة والعيدين ولقاء الإخوان ولم يكن غير الأجود عندهم قبيحا. (٢) وقال: واعلم أن اللباس الذي يزري بصاحبه يتضمن إظهار الزهد، وإظهار الفقر، وكأنه لسان شكوى من الله عز وجل، ويوجب احتقار اللابس، وكل ذلك مكروه ومنهي عنه. وقال: وقد كان من الصوفية من إذا لبس ثوبا خرق بعضه وربما أفسد الثوب الرفيع القدر. (٣)


(١) ((تلبيس إبليس)) (٢٠٦ - ٢٢١) باختصار.
(٢) ((تلبيس إبليس)) (١٩٨).
(٣) ((تلبيس إبليس)) (٢٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>