للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو الوفاء بن عقيل: وقد نص القرآن على النهي عن الرقص فقال عز وجل وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا [الإسراء: ٣٧] وذم المختال فقال وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [لقمان: ١٨].

قال ابن الجوزي: فإذا تمكن الطرب من الصوفية في حال رقصهم جذب أحدهم بعض الجلوس ليقوم معه، ولا يجوز على مذهبهم للمجذوب أن يقعد، فإذا قام قام الباقون تبعا له، فإذا كشف أحدهم رأسه كشف الباقون رؤوسهم موافقة له، ولا يخفي على عاقل أن كشف الرأس مستقبح، وفيه إسقاط مروءة وترك أدب، وإنما يقع في المناسك تعبدا لله وذلا له.

٢ - الصوفية يدعون تزكية أنفسهم بالاسم المفرد مظهرا أو مضمرا قال شيخ الإسلام:- الشرع لا يستحب من الذكر إلا ما كان كلاما تاما مفيدا مثل (لا اله إلا الله)، ومثل (الله أكبر)، ومثل (سبحان الله)، ومثل (لا حول ولا قوة إلا بالله).

فأما الاسم المفرد مظهرا مثل (الله) (الله) أو مضمرا مثل (هو) (هو) فهذا ليس بمشروع في كتاب ولا سنة، ولا هو مأثور أيضا عن أحد من سلف الأمة، ولا عن أعيان الأمة المقتدى بهم، وإنما لهج به قوم من ضلال المتأخرين.

وربما غلا بعضهم حتى يجعلوا الاسم المفرد للخاصة، وذكر الكلمة التامة للعامة، وربما قال بعضهم (لا إله إلا الله للمؤمنين) و (الله) للعارفين وهو للمحققين وربما اقتصر أحدهم في خلوته أو في جماعته على (الله الله الله)، على (هو) أو (يا هو) أو (لا هو إلا هو) وربما ذكر بعض المصفين في الطريق تعظيم ذلك.

وأما مايتوهمه طائفة من غالطي المتعبدين في قوله تعالى: قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ [الأنعام:٩١] ويتوهمون أن المراد قول هذا الاسم فخطأ واضح، ولو تدبروا ما قبل هذا تبين مراد الآية فإنه سبحانه قال: وَمَا قَدَرُواْ اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ [الأنعام:٩١] أي قل الله أنزل الكتاب الذي جاء به موسى، فهذا كلام تام وجملة أسمية مركبة من مبتدأ وخبر.

إلى أن قال: وكذلك بالأدلة العقلية الذوقية، فإن الاسم وحده لا يعطى إيمانا ولا كفرا ولا هدى ولا ضلالة ولا علما ولا جهلا، ولو كرر الإنسان اسم الله ألف مرة لم يصر بذلك مؤمنا ولم يستحق ثواب الله ولا جنته، فإن الكفار من جميع الأمم يذكرون الاسم المفرد سواء أقروا به وبوحدانيته أم لا.

فإن قيل فالذاكر والسامع للاسم المجرد قد يحصل له وجد محبة وتعظيم لله ونحو ذلك.

قلت: نعم ويثاب على ذلك الوجد المشروع والحال الإيماني، لا لأن الاسم مستحب، وإذا سمع ذلك حرك ساكن القلب، وقد يتحرك الساكن بسماع ذكر محرم أو مكروه، حتى قد يسمع المسلم من يشرك بالله أو يسبه فيثور في قلبه حال وجد ومحبة لله بقوة نفرته وبغضه لما سمعه.

والعبد أيضا قد يدعوه داع إلى الكفر أو المعصية فيستعصم ويمتنع ويورثه ذلك إيمانا وتقوى، وليس السبب مأمورا به، وقد قال تعالى: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران: ١٧٣] ففرق بين أن يكون نفس السبب موجبا للخير ومقتضيا، وبين أن لا يكون، وإنما نشأ الخير من المحل.

فثبت بما ذكرناه أن ذكر الاسم المجرد ليس مستحبا، فضلا عن أن يكون هو ذكر الخاصة.

<<  <  ج: ص:  >  >>