للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا هو التحديد التعسفي لمفهوم الولاية عند الصوفية، أما شخصية الولي في القرآن الكريم فهي شخصية إيجابية يترسم خطى الدين في كل ما أمر أو نهي، والصحابة ومن تبع أثرهم من العلماء العاملين هم أولى الناس بهذا اللفظ ويصدق عليهم حديث: " من عادى لي ولياً .... " وطريق الوصول إلى الولاية عند الصوفية طريق معكوس لأن الغاية من مجاهداتهم هي معرفة أو الفناء ووالمفروض أن معرفة الله سبحانه هي خطوة أولى للإيمان وهذه المعرفة فطرية كما يحدثنا القرآن، والعمل الصالح هو الذي يوصل إلى أن يحب الله عبدَه، وأما فناؤهم فهو يوصلهم إلى كفر الاتحاد والحلول فطريق الولاية عند أهل السنة سهل ميسر ومن أول هذا الطريق تبدأ المحبة بين الله سبحانه وعبده بينما طريق الصوفية طريق شكلي إلى، لا بد أن يمر المريد بكذا وكذا ثم يصل إلى شطحات يظن فيها أنه شاهد الحق. وأفضل الأولياء عند أهل السنة الأنبياء والرسل بينما عند الصوفية النبي يقصر عن الفلاسفة المتألهين في البحث والحكمة كما يقول السهروردي المقتول على يد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، فالولي عند أهل السنة هو ذاك المسلم الإيجابي الذي يقوم بالطاعات، والولي عند الصوفية هو المستغرق في الفناء (١).

بعد هذا البيان والإيضاح لكلمة الولي وكيف تطورت، والمعنى السني لها، لا بد من توضيح المقصود بـ (الكرامات) وما هو رأي أهل السنة فيها وهل التزم الصوفي بهذا الرأي؟ وهل هناك ارتباط بين الولاية والكرامة فنقول:

خلق الله سبحانه وتعالى هذا الكون وسيره على سنن محكمة مطردة لا تتعارض ولا تتخلف، وربط المسببات بأسبابها والنتائج بمقدماتها وأودع في الأشياء خواصها، فالنار للإحراق، والماء للإرواء والطعام للجائع، ثم هذا النظام الكوني البديع المتناسق الشمس والقمر والنجوم، وتعاقب الليل والنهار .. كل بنظام محكم، فإذا لم ترتبط الأسباب بنتائجها وخرقت هذه العادة المألوفة بإذن الله لمصلحة دينية أو دعاء رجل صالح، فهذا الخرق إذا كان لنبي فهو معجزة، وإذا كان لأناس صالحين فهو كرامة وهذه الكرامة إن حصلت لولي حقاً فهي الحقيقة تدخل في معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم وتحصل ببركة إتباعه.

وهذه الخوارق إما أن تكون من جهة العلم بأن يسمع النبي ما لا يسمع غيره أو يرى ما لا يراه غيره يقظة ومناماً أو يعلم مالا يعلم غيره حياً وإلهاماً أو فراسة صادقة لعبد صالح، وإما أن تكون من باب القدرة والتأثير مثل دعوة مستجابة أو تكثير الطعام وعدم إحراق النار، وقد حصل للصحابة رضوان الله عليهم كرامات من هذا النوع وكانت إما لحاجة أو حجة في الدين، كما أكرم الله سبحانه أم أيمن عندما هاجرت وليس معها زاد ولا ماء فكادت تموت من العطش وكانت صائمة، فلما كان وقت الفطر سمعت حساً على رأسها فإذا دلو معلق فشربت منه، وكان البراء بن مالك إذا أقسم على الله أبّر قسمه، وكان سعد بن أبي وقاص مستجاب الدعوة، مشى أمير الجيوش الإسلامية في البحرين العلاء بن الحضرمي وجنوده فوق الماء لما أعترضهم البحر ولم يكن معهم سفن تحملهم وأُلقي أبو مسلم الخولاني في النار فلم تحرقه (٢).


(١) انتهى ما نقلناه مختصراً وبتصرف عن كتاب (قطر الولي).
(٢) ابن تيمية: ((الفتاوى)) (١١/ ٢٧٩) وفي هذا الجزء بحث قيم حول المعجزات والكرامات.

<<  <  ج: ص:  >  >>