للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١ - أما قوله تعالى: وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ [المجادلة: ٨] فعنه جوابان: أحدهما: أن المراد أنهم قالوه بألسنتهم سرا، وحينئذ فلا حجة لهم فيه. وهذا هو الذي ذكره المفسرون، حيث كانوا يقولون: سام عليك، فإذا خرجوا يقولون في أنفسهم، أي يقول بعضهم لبعض: لو كان نبيا عذبنا بقولنا له ما نقول (١).والثاني: أنه قيده بالنفس، وهذا على أن المقصود أنهم قالوه بقلوبهم، وإذا قيد القول بالنفس كان دلالة المقيد خلاف دلالة المطلق، والدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها، ما لم تتكلم أو تعمل)) (٢)، وهذا رد عليهم مطلقا لأنه قال "ما لم تتكلم" فدل على أن حديث النفس ليس هو الكلام المطلق.٢ - وأما قوله تعالى: وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً [الأعراف: ٢٠٥] فالمقصود الذكر باللسان لأنه قال "تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول"، ومن استقراء النصوص يتبين أن الذي يقيد بالنفس لفظ "الحديث"، مثل الحديث السابق: "وما حدثت به أنفسها"، أما لفظ "الكلام" فلم يعرف أنه أريد به ما في النفس فقط (٣).٣ - أما قوله: وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ [الملك: ١٣] واحتجاجهم على أن القول المسر في القلب دون اللسان لقوله تعالى في آخر الآية إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ، فـ "هذه حجة ضعيفة جدا؛ لأن قوله وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ يبين أن القول يسر به تارة، ويجهر به أخرى، وهذا إنما هو فيما يكون في القول الذي هو بحروف مسموعة، وقوله بعد ذلك: إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، فإنه إذا كان عليما بذات الصدور فعلمه بالقول المسر والمجهور به أولى" (٤).٤ - أما قوله تعالى: آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا [آل عمران: ٤١] فقد ذكر في مريم ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا [مريم: ١٠] و"لم يستثن شيئا، والقصة واحدة، وهذا يدل على أن الاستثناء منقطع، والمعنى: آيتك ألا تكلم الناس، لكن ترمز لهم رمزا" (٥).٥ - أما قول عمر في قصة السقيفة "زورت في نفسي مقالة" فهي حجة عليهم، لأن التزوير: إصلاح الكلام وتهيئته، "فلفظها يدل على أنه قدر في نفسه ما يريد أن يقوله ولم يقله، فعلم أنه لا يكون قولا إلا إذا قيل باللسان، وقبل ذلك لم يكن قولا، لكن كان مقدرا في النفس، يراد أن يقال، كما يقدر الإنسان في نفسه أنه يحج وأنه يصلي، وأنه يسافر، إلى غير ذلك، فيكون لما يريده من القول والعمل صورة ذهنية مقدرة في النفس، ولكن لا يسمى قولا وعملا إلا إذا وجدت في الخارج ... (٦) " وهذا يدل عليه الحديث السابق: إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل.


(١) انظر: ((الإيمان)) (ص: ١٢٩) – ط المكتب الإسلامي، و ((مجموع الفتاوى)) (١٥/ ٣٥).
(٢) رواه البخاري (٦٦٦٤) , ومسلم (١٢٧) , من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) انظر: ((الإيمان)) (ص: ١٣٠).
(٤) ((مجموع الفتاوى)) (١٥/ ٣٦)، وانظر: ((الإيمان)) (ص: ١٣٠).
(٥) ((الإيمان)) (ص: ١٣١).
(٦) ((الإيمان)) (ص: ١٣١ - ١٣٢)) – ط المكتب الإسلامي.

<<  <  ج: ص:  >  >>