للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٦ - أما البيت المنسوب للأخطل، ففيه ما فيه من ناحية صحة نسبته إليه، حتى ألفاظ البيت حرفت لتوافق مقصود من استشهد به من أهل الكلام، وقد تعجب شيخ الإسلام من هؤلاء الذين يحتجون بهذا البيت الذي قاله نصراني، ولم يثبت عنه – فقال: "ولو احتج في مسألة بحديث أخرجاه في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم لقالوا: هذا خبر واحد، ويكون مما اتفق العلماء على تصديقه وتلقيه بالقبول، وهذا البيت لم يثبت نقله عن قائله بإسناد صحيح لا واحد وأكثر من واحد، ولا تلقاه أهل العربية بالقبول، فكيف يثبت به أدنى شيء من اللغة، فضلا عن مسمى الكلام" (١)، وقد أطال شيخ الإسلام في المناقشة بما يشفي ويكفي (٢).

هذه أدلة الأشاعرة النقلية واللغوية على قولهم بالكلام النفسي، مع بيان بطلان استدلالهم فيها، وبيان أنها في الرد عليهم أقرب من أن تكون دليلا لهم. وشيخ الإسلام لم يقتصر على مثل هذه الردود، وإنما ناقش حقيقة مذهبهم في الكلام النفسي، وأن قولهم فيه باطل، وقد جاءت هذه المناقشة المهمة في التسعينية من خلال عدد من الأوجه (٣)، ويمكن تلخيص مناقشاته هذه بما يلي:

اعترض على دعوى الأشاعرة بأن الكلام هو المعنى القائم بالنفس فقيل لهم: أنتم قلتم إن الكلام هو الخبر والأمر والنهي، وأن ذلك كله معنى يقوم بالنفس، فيقال لكم إذا كان الكلام عندكم لا صيغة له فما الفرق بين الخبر والعلم، وبين الأمر والنهي والإرادة؟ لأن الخبر – بدون صيغة وألفاظ – ليس غير العلم الذي يقوم بالنفس، وكذا الأمر والنهي – بغير صيغة ولفظ الأمر والنهي – وليس غير الإرادة التي تقوم بالنفس. وإذا صح هذا كان إثباتكم للكلام النفسي على أنه الخبر والأمر والنهي إنما يرجع إلى صفتي: العلم والإرادة، والنتيجة أن قولكم يؤدي إلى إنكار صفة الكلام، لأن ما أثبتموه من الكلام النفسي لم يكن غير العلم والإرادة.

أجاب الأشاعرة عن ذلك – كما يعبر عنهم الرازي – بما يلي: أ- أجاب بعضهم بأن الخبر يؤول إلى العلم، بناء على أن بعض الناس قال في الكلام إن الأمر والنهي يؤول إلى الخبر، وإذا كان كذلك فلم لا يؤول الخبر أيضا إلى العلم. ولكن شيخ الإسلام ضعف هذا الجواب بناء على أن الإنسان يجد في نفسه فرقا بين الطلب والخبر (٤).ثم إنه أجاب عن ذلك بأن الرازي والأشاعرة إذا كانوا قد أجابوا عن مسألة الأمر والنهي بأن الله قد يأمر بما لا يريد – ومعهم في هذا حق بالنسبة للإرادة الكونية – إلا أنهم لم يمكنهم أن يقولوا: إن الله أخبر بما لا يعلمه، أو بما يعلم ضده، بل علمه من لوازم خبره، ولهذا أخبر الله تعالى عن رسوله بأن القرآن لما جاءه، جاءه العلم فقال تعالى: فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ [آل عمران: ٦١] وقال: وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ [البقرة: ١٢٠]، وهذا مما احتج به الأئمة على تكفير من قال بخلق القرآن، لأن الله أخبر أن هذا الذي جاءه من العلم، وقول المعتزلة يستلزم أن يكون علم الله مخلوقا (٥).


(١) ((الإيمان)) (ص: ١٣٢).
(٢) انظر: ((الإيمان)) (ص: ١٣٢ - ١٣٤).
(٣) انظر: ((التسعينية الوجه الثاني عشر إلى الوجه الخامس والعشرين)) (ص: ١٥١ - ١٦٩).
(٤) انظر: ((التسعينية)) (ص: ١٥٢ - ١٥٤) – الوجه الخامس عشر.
(٥) انظر: ((التسعينية)) (ص: ١٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>