للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- على أن الأمور الاختيارية تقوم بالله. - وعلى أن كلام الله لا نهاية له كما قال تعالى: قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا [الكهف: ١٠٩] وقوله: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ [لقمان: ٢٧] (١).وقد ذكر السلف – توضيحا لمذهبهم، وتمييزا له عن مذهب الكلابية والأشعرية ومن اتبعهم – أن الله يوصف بالسكوت، وأنه إذا شاء تكلم وإذا شاء سكت، وكان من أشهر ما وقع في ذلك قصة ابن خزيمة مع الكلابية – وكان ممن اعتنق مذهبهم بعض تلامذته – فجرت فصول ذكرها الحاكم في تاريخ نيسابور، ونقلها وعلق عليها شيخ الإسلام (٢)، وأشار أبو إسماعيل الأنصاري إلى هذه القصة في مناقب أحمد بن حنبل، ومما قاله فيها: "وجاءت طائفة فقالت: لا يتكلم بعد ما تكلم، فيكون كلامه حادثا" (٣)، ثم قال بعد ذكره لموقف أبي بكر بن خزيمة من هؤلاء: "فطار لتلك الفتنة ذلك الإمام أبو بكر، فلم يزل يصيح بتشويهها، ويصنف في ردها كأنه منذر جيش، حتى دون في الدفاتر، وتمكن في السرائر ولقن في الكتاتيب، ونقش في المحاريب: إن الله متكلم، إن شاء الله تكلم وإن شاء سكت، فجزى الله ذلك الإمام وأولئك النفر الغر عن نصرة دينه وتوقير نبيه خيرا" (٤).ويلاحظ التنصيص على ألفاظ واضحة البيان في مخالفة مذهب الكلابية والأشعرية، ومن ذلك قول ابن خزيمة – كما قصته مع الكلابية -: "الذي أقول به إن القرآن كلام الله ووحيه وتنزيله غير مخلوق، ومن قال: إن القرآن أو شيئا منه، ومن وحيه وتنزيله مخلوق، أو يقول: إن الله لا يتكلم بعدما كان يتكلم به في الأزل ... فهو عندي جهمي يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه" (٥).وذكر عن ابن خزيمة أيضا أنه قال: "زعم بعض جهلة هؤلاء الذين نبغوا في سنتنا هذه أن الله لا يكرر الكلام فهم لا يفهمون كتاب الله ... " (٦).ولهذا لما كان مذهب الأشاعرة بنفي ما يقوم بالله من الصفات الاختيارية بناء على نفي حلول الحوادث، ومن ثم منعوا أن يقال: إن الله يتكلم إذا شاء متى شاء كلاما قائما به، وإنه يتكلم شيئا بعد شيء – أجابهم شيخ الإسلام بقوله: "قلنا من أنكر هذا قبلكم من السلف والأئمة؟ ونصوص القرآن والسنة تتضمن ذلك مع صريح العقل، وهو قول لازم لجميع الطوائف .... " (٧).


(١) انظر: ((منهاج السنة)) (٢/ ٩٨) – ط مكتبة الرياض الحديثة.
(٢) في ((درء التعارض)) (٢/ ٩ - ١٠، ٧٨ - ٨٣)، و ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ١٦٩ - ١٧٧).
(٣) ((درء التعارض)) (٢/ ٧٦ - ٧٧).
(٤) عن ((درء التعارض)) (٢/ ٧٧ - ٧٨)، و ((شرح الأصفهانية)) (ص: ٢٠٢ - ٢٠٣) – ت السعوي.
(٥) ((درء التعارض)) (٢/ ٧٩)، و ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ١٧٠).
(٦) ((درء التعارض)) (٢/ ٧٩)، و ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ١٧١).
(٧) ((منهاج السنة)) (٢/ ٢٩٨)) - ط دار العروبة المحققة.

<<  <  ج: ص:  >  >>