للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والنصوص الدالة على إثبات صفة الكلام لله – على وفق مذهب السلف – كثيرة جدا، بل إن فيها أن الله قد يوصف بالسكوت، ومن هذه الأدلة:١ - قوله تعالى: فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [النمل: ٨] وقوله: فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [القصص: ٣٠] وقوله: هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى [النازعات: ١٥ - ١٦] وقال: فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ [طه: ١١ - ١٢]، قال شيخ الإسلام معلقا على هذه النصوص: "وفي هذا دليل على أنه حينئذ نودي، ولم يناد قبل ذلك، ولما فيها من معنى الظرف" (١).٢ - ومن ذلك قوله تعالى: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ [القصص: ٦٥]، وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ [القصص: ٧٤] فإنه وقت النداء بظرف محدود، فدل على أن النداء يقع في ذلك الحين دون غيره من الظروف، وجعل الظرف للنداء لا يسمع النداء إلا فيه" (٢).٣ - "ومثل هذا قوله تعالى: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة: ٣٠] وقوله: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ [البقرة: ٣٤] وأمثال ذلك مما فيه توقيت بعض أقوال الرب بوقت معين، فإن الكلابية ومن وافقهم من أصحاب الأئمة الأربعة يقولون: إنه لا يتكلم بمشيئته وقدرته، بل الكلام المعين لازم لذاته كلزوم الحياة لذاته" (٣). وهذه النصوص واضحة الدلالة في الرد عليهم، لأنه إذا كانت دالة على أن الله تكلم بالكلام المذكور، في ذلك الوقت، فكيف يقال إنه كان أزليا أبديا، وهل يمكن أن يقال أنه لم يزل ولا يزال قائلا يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ، اسْجُدُواْ لآدَمَ، اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا [هود: ٤٨]؟ (٤).٤ - أما الأحاديث في ذلك كثيرة، منها: قول النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى بهم صلاة الصبح بالحديبية: ((أتدرون ماذا قال ربكم الليلة؟، قالوا الله ورسوله أعلم، قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر .. )) (٥)، وحيث ((إذا قضى الله الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله، كالسلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال الحق وهو العلي الكبير ... )) (٦)، وفي لفظ آخر أكثر صراحة: ((إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا .. )) (٧)، فكيف يفسرون مثل هذه النصوص من الكتاب والسنة بأن المقصود من كلام الله لهم خلق إدراك لهم يسمعون به الكلام القديم (٨)؟، ولا شك أن ذلك تأويل وتحريف للنصوص مثل تأويل بقية الصفات التي أولها النفاة ومن يوافقهم من هؤلاء.٥ - أما الأحاديث التي فيها ذكر السكوت، فمنها حديث: ((ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو ... ))


(١) ((مجموع الفتاوى)) (١٢ - ١٣١).
(٢) ((مجموع الفتاوى)) (١٢ - ١٣١).
(٣) ((مجموع الفتاوى)) (١٣ - ١٣١).
(٤) انظر: ((منهاج السنة)) (٣/ ١٠٤ - ١٠٥) – ط بولاق.
(٥) رواه البخاري (٨٤٦) , ومسلم (٧١) , من حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه.
(٦) رواه البخاري (٤٧٠١).
(٧) رواه أبو داود (٤٧٣٨) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه, وسكت عنه. وصححه ابن تيمية في ((العقيدة الأصفهانية)) (٦٨) , والألباني في ((صحيح أبي داود)).
(٨) انظر: ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ١٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>